الاثنين، 28 يناير 2013

سجناء «فتح الإسلام» في مواجهة الدولة: لمن الغلبة في رومية؟







تجد الدولة نفسها أمام تحدٍّ لإثبات نفسها في سجن رومية. فسجناء «فتح الإسلام» المدّعى عليهم بقتل سجين لا يريدون المثول أمام القضاء، في حين أن أي عملية دهم قد تعني «عشرات القتلى». ما العمل إذاً؟ هذا ما جنته أيدي السياسيين، الذين أكلوا حصرم المذهبية، في ظل سجناء يُعذَّبون ويُقتَلون
محمد نزال -
مثل العادة، في لبنان، كان لا بدّ من دم حتى تتحرّك الدولة. كان لا بد أن يُقتل غسان القندقلي، في سجن رومية، حتى تُسلّط الأضواء على ذلك المكان مجدداً. المسؤولون، أو بعضهم، يتعاطون مع المسألة كمن اكتشف البارود. كأن سجناء «فتح الإسلام» قد دخلوا رومية البارحة، لا قبل 6 سنوات، إثر أحداث نهر البارد. كأن القندقلي هو أول ضحايا هؤلاء، ولم يسبقه على أيديهم، إلى الضرب والتهشيم، عشرات السجناء.
كأن المعنيين، من وزراء وقضاة وضباط، لم يقرأوا ما نشرته «الأخبار» قبل أكثر من سنة عن «فيدرالية رومية» . كأن مستشاريهم الإعلاميين لم يوصلوا إليهم خبر الـ«بلطجة في سجن رومية». في الواقع، يفاجئك أحدهم عندما يخبرك بأنه يعلم كل شيء، ومنذ مدة طويلة، لكن ما العمل في ظل «عدم وجود قرار سياسي بالسيطرة على هؤلاء السجناء الإسلاميين»؟. صحيح. لطالما كان قرارهم سياسياً. قرارهم الظني بقي في الدرج 5 سنوات بقدرة «سياسي» قادر. القاضي سعيد ميرزا يعرف الكثير عن سير هذا الملف. أزمة هؤلاء السجناء، الذين تورّط بعضهم بدم الجيش اللبناني، بدأت مع حكومة فؤاد السنيورة ثم حكومة سعد الحريري، لتصل أخيراً إلى حكومة نجيب ميقاتي. كلهم رعوا هؤلاء السجناء وأعطوهم الحظوة والقوة. رائحة وجبات «الدليفري» الساخنة، المقدّمة من دار الفتوى، لا تزال عابقة في أروقة رومية. كلمات قائد الدرك السابق، العميد أنطوان شكور، لا تزال منذ أكثر من عامين صالحة للاستفادة منها اليوم. قبل إحالته على التقاعد، فجّر قنبلته ومضى: «هناك سياسة تقول باستيعاب هؤلاء السجناء لأسباب طائفية، وقد طُلب منا إعطاؤهم فرصة في العديد من الأمور، ما خلق حالة فوضى داخل السجن، ولا أعلم متى ينفجر الأمر».
نبوءة شكور تحققت فعلاً. تحققت بمحاولات هرب جماعية، منها ما نجح ومنها ما فشل. تحققت بسيطرة كاملة على المبنى «ب» في السجن، الذي يضم نحو 700 سجين من غير الإسلاميين، وهؤلاء باتوا «رهائن» لدى أصحاب الشوارب المحفوفة. تحققت نبوءة شكور، أخيراً، بإزهاق روح سجين. الظاهر أنه أعُدم على أيدي إسلاميين، بسبب إرساله صورة إلى خارج السجن. ثمة مسؤول أمني، مواكب للتحقيقات، يرجح أن يكون سبب قتل السجين أنه «وشى بمحاولة فرار لسجناء فتح الإسلام».
إزاء هذا الواقع، الدولة اليوم أمام تحدٍّ لإثبات هيبتها. لقد ادّعى القاضي صقر صقر على ثمانية موقوفين، وسجين غير موقوف، وذلك في جرم قتل السجين غسان القندقلي، وذلك سنداً إلى المادة 546 عقوبات. هذه المادة تنصّ على عقوبة الإعدام. الادّعاء شمل دركيين في جرم الإهمال أثناء الوظيفة، وأحالهم على قاضي التحقيق العسكري الأول للتحقيق معهم. إذاً، على هؤلاء المثول أمام قاضي التحقيق. لكنهم يرفضون، ويريدون للقاضي أن يأتي إليهم، وهذا لن يحصل. ما العمل؟
قبل أيام حضر إلى سجن رومية ضبّاط كبار من الجيش اللبناني، من فوج المغاوير تحديداً، إضافة إلى ضباط من قوى الأمن الداخلي. كانوا يريدون الدخول عنوة إلى طبقة الإسلاميين. أحد الضباط، ممن أخذتهم الكبرياء العسكرية بعيداً، قال: «إن لم ندخل اليوم، وننفذ عملية الدهم، فإني ساستقيل». ساعات قليلة ويغادر هذا الضابط، ومعه سائر الضباط، وهو يتحدث عن «الواقعية التي لا تسمح بالدخول عنوة». هكذا، الدولة واقعية، وتعلم أن تنفيذ اقتحام من نوع ما يعني «عشرات القتلى وربما أكثر». في الطبقة التي يسيطر عليها سجناء «فتح الإسلام» مئات السجناء الآخرين، ممن لا يماثلونهم المذهب والتوجه العقائدي، وقد باتوا بمثابة «رهائن يمكن تصفيتهم في الحالات الصعبة، ويمكن استخدامهم دشماً»، يقولها المسؤول الأمني متوجساً. حسناً، لماذا لا يُنقل هؤلاء إلى مبنى آخر، ليبقى الإسلاميون وحدهم؟ الجواب: «إلى أين سننقلهم؟ لا مكان يتسع لهم». مرة جديدة يأتيك الجواب درامياً.
واقعية الدولة دفعت قوى الأمن الداخلي إلى إصدار بيان واقعي: «إننا ننطلق في ممارسة مهماتنا في إدارة السجون وحراستها، من الحفاظ على أمن السجناء وحقوقهم، وإلزامهم تطبيق ما يترتب عليهم من موجبات قانونية، مع مراعاتها للأوضاع الضاغطة التي ترزح تحتها السجون لأسباب مختلفة، ومنها الاجتماعي والاقتصادي، علماً أن الجميع باتوا يدركون واقع السجون في لبنان». إنها مراعاة الأوضاع الضاغطة إذاً! ويضيف بيان الأمن: «لهذا نلجأ في إدارتنا للسجون إلى الحكمة، واعتماد إجراءات وتدابير متعددة لتطبيق القانون، آخرها استعمال القوة من دون أن نخضع لأي إملاءات من هؤلاء السجناء». هنا الدولة تحفظ ماء وجهها بيانياً. لا بأس.
أحد الضباط المتابعين لشؤون السجن، أكّد لـ«الأخبار» أن 30 سجيناً من «فتح الإسلام» يعلمون بأن عقوبتهم ستكون الإعدام. هؤلاء «يأخذون من حجة المماطلة في المحاكمة حجة لعمليات الفرار، وللتعاطف معهم، وهؤلاء، وتذكروا ذلك، لن يحضروا إلى المحكمة مع بدء المحاكمات قريباً. سيمنعون رفاقهم حتى في التنظيم ذاته من حضور الجلسات، لكي يبقى لهم الأمل بالنجاح في الفرار يوماً ما». يُذكر أن إدارة السجن نقلت أحد السجناء من المبنى «ب»، إلى مبنى المحكومين، بعدما اكتشف أمره بأنه أحد الذين فضحوا الإعداد لعملية الفرار الأخيرة. ولأن يد «الإسلاميين» طويلة في السجن، نقل السجين لاحقاً إلى سجن آخر. إنها سياسة الدولة الحكيمة.
طبيب شرعي خائف!
ليس جديداً القول إن لدى سجناء «فتح الإسلام» مشايخ للفتوى داخل السجن. القتيل غسان قندقلي يبدو أنه قتل نتيجة فتوى. أظهرت التحقيقات أنّ (أ.ع.) لفّ حول عنق القندقلي رباطاً، ثم خنقه به، بمساعدة آخرين. اللافت أن ما ضلل التحقيق بداية، حيث قيل إن ما حصل هو عملية انتحار، هو تقرير الطبيب الشرعي الذي كشف على الجثة. لم يتحدث عن آثار تعذيب على جسد القتيل. تحدث عن آثار شنق، بوزن من الأعلى إلى الأسفل، علماً أن الأثر كان دائري الشكل حول العنق، ما يعني حصول خنق بفعل الشد. قيل إن تهديد سجناء «فتح الإسلام» وصل إلى الطبيب نفسه. يا لقوّتهم!

0 التعليقات:

إرسال تعليق

على القرّاء كتابة تعليقاتهم بطريقة لائقة لا تتضمّن قدحًا وذمًّا ولا تحرّض على العنف الاجتماعي أو السياسي أو المذهبي، أو تمسّ بالطفل أو العائلة.
إن التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع كما و لا نتحمل أي أعباء معنويّة أو ماديّة اطلاقًا من جرّاء التعليق المنشور .