الثلاثاء، 14 أغسطس 2012

6 سنوات على «14 آب»: ما قبل الحرب وبعدها

الثقة التي دخلت بها إسرائيل حرب تموز سرعان ما تبدّدت وتحولت إلى كارثة بعد فشلها في تحقيق الأهداف التي دخلت من أجلها الحرب. تصريح «لو كنت أعلم» الشهير الذي صدر عن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، واستغلته دولة الاحتلال في بداية الحرب سرعان ما تحول إلى ظل لها بعد الحرب يرافقها ليدلل على خيبتها من جهتها، وعلى خطأ حساباتها التي دخلت على أساسها الحرب من جهةٍ ثانية، وخصوصاً بعدما ثبت أن الخسائر التي منيت بها إسرائيل على الصعيد الاستراتيجي كانت لا تعوّض فبعد ستة أعوام على نهاية حرب تموز في الرابع عشر من آب، من الأجدى الوقوف عند سؤال «لو كانت إسرائيل تعلم»، لتحليل المتغيرات التي عصفت بالدولة العبرية داخلياً، إضافة إلى التبدّل في البيئة الاستراتيجية المحيطة بدولة الاحتلال

إسرائيل سعت لتجميل الواقع الأليم الذي أفضت إليه الحرب (كارلوس باريا - رويترز)
أكثر من أي شيء آخر، عكست الأقوال التي أدلى بها وزير الدفاع الإسرائيلي إبان حرب تموز 2006، عامير بيريتس، أجواء الارتباك والتخبّط التي سادت أوساط القيادة الإسرائيلية المسؤولة عن قرار الحرب عام 2006. في آخر جلسات الحكومة خلال الحرب، والتي انعقدت عشية سريان وقف إطلاق النار في الثالث عشر من آب، قدم بيريتس مداخلة لخّص فيها خلاصاته الشخصية حيال نتائج الحرب قائلاً «لم نخسر؛ لم يكن ثمة انتصار، لكننا لم نخسر بأي حال من الأحوال. حتى لو لم ننتصر، إلا أننا لم نخسر»! كلام بيريتس الذي كان أحد أضلع الثالوث المسؤول فعلياً عن الحرب، إلى جانب كل من رئيس الوزراء إيهود أولمرت، ورئيس الأركان دان حالوتس، لم يكن في الحقيقة سوى محاولة تجميلية بادية التصنع للواقع الأليم الذي أفضت إليه الحرب بالنسبة إلى إسرائيل. واقع أجادت صحيفة «هآرتس» وصفه في إحدى افتتاحياتها آنذاك حين تحدثت عن «انتشار مشاعر النفور والخيبة العميقة والهلع التي جرفت الجمهور الإسرائيلي» غداة الحرب. وأشارت إلى المفارقة المأساوية التي وقعت إسرائيل فيها في تلك الفترة: «حكومة جديدة، برئاسة حركة سياسية جديدة تعهدت بوضع حدّ للاحتلال، قادت، أو ربما بشكل أدق قادها جيش مغرور وصدئ إلى هزيمة أليمة، مخيّبة للآمال ومحمَّلة بالمخاطر في حرب ضد حزب الله».

نضج قرار الحرب بعد فشل الرهان على الحراك اللبناني لنزع سلاح حزب الله (كاراوس باميا - رويترز)
دخلت إسرائيل حرب لبنان في عام 2006 وقد بدت محصّنة بطوق دولي إقليمي استراتيجي سيضمن لها الدعم تمهيداً أمام الفوز، لكن الدولة العبرية خسرت الحرب لتبدأ بحصد تداعياتها، وفي مقدمها أن إسرائيل لم تعد دولة لا يمكن التغلب عليها، إضافة إلى التبدل الذي طرأ على المحيط في الفترة الأخيرة، والذي سيجعل حسابات الحرب مختلفة
لكل حرب بادرت إليها إسرائيل، منذ الإعلان عن قيامها في عام 1948، بيئتها الاستراتيجية الدولية والإقليمية، التي شكلت ظرفاً ودافعاً لتبلور قرار شنها. ولم تكن الحرب التي شنتها إسرائيل على حزب الله ولبنان، في عام 2006، إلا امتداداً طبيعياً، بل نتاجاً لبيئتها الاستراتيجية التي جعلتها ممكنة وضرورية. ممكنة، بمعنى ارتفاع ما كان يفترض أن ترى فيه إسرائيل مانعاً وعقبةً أمام تنفيذها وتحقيق أهدافها. وضرورية، من أجل القضاء على حزب الله وتدمير قدراته القتالية والعسكرية التي تشكل تهديداً لإسرائيل، وأيضاً بهدف تعبيد الطريق أمام المشروع الأميركي في لبنان ومنه. عشية حرب عام 2006، كانت إسرائيل تتمتع بذخرين استراتيجيين أساسيين، الأول نظام حسني مبارك على جبهتها الجنوبية، الذي ضمن لها تحييد مصر طوال ثلاثين سنة، بما مكّنها من شن الحروب والاعتداءات في فلسطين ولبنان والمنطقة.
خلال عدوان تموز، كانت هناك محطات أساسيّة تركت بصمتها على مسار الحرب، وبقيت ذكراها عالقة في أذهان المنتصرين والمنهزمين. ولعل موقعة بنت جبيل تعد واحدة من هذه المحطات، التي لا تزال تؤرق جنود العدو الذين شاركوا فيها. هذا ما كشفه الإسرائيليون أنفسهم، إذ أجرى موقع «والا» الإخباري العبري الإلكتروني تحقيقاً حول جنود من لواء غولاني الذين شاركوا في المعارك، وكشفوا خلاله عن مشاهد لن ينسوها، لا تزال راسخة في أذهانهم، وتؤرّق عودتهم الطبيعية إلى الحياة.

الإعلام الإسرائيلي منشغل بترميم صورة الجيش
كان الإعلام الإسرائيلي خلال عدوان تموز جزءاً أساسيّاً من المعركة، وكان من الطبيعي أن تنعكس نتائج الحرب على الإعلام الذي بات يعمل على إعادة إنتاج صورة مغايرة لحرب عام 2006، من خلال تضخيم الجوانب التكتيكية، وتصويرها كإنجازات
يعدّ الإعلام الإسرائيلي حراً ونافذاً ومؤثراً لدى الرأي العام في الدولة العبرية، يتأثر بالمزاج الشعبي ويؤثر فيه، كما يعد أيضاً ناقداً وذا أنياب حادة تجاه أي من القيادتين السياسية والعسكرية _ الامنية. في الوقت نفسه، وللمفارقة، يعدّ الاعلام الإسرائيلي بوقاً لصانع القرار في تل أبيب، وتحديداً خلال الحروب والمواجهات العسكرية التي يخوضها الجيش الإسرائيلي، بل ويسخّر كل إمكانياته باتجاه الإعداد للمعركة وتبرير اسبابها ودوافعها، ويعمد إلى توقع نتائجها بما يخدم الحرب والانتصار فيها من باب الحرب النفسية، ولم يسبق لحرب أن خاضتها إسرائيل، إلا كان إعلامها متجنداً في المعركة بكل طاقاته، والى أقصى حد ممكن.
حرب تموز عام 2006 تركت بصماتها واضحة على الحياة الإسرائيلية عامة والوسط الاعلامي خاصة، فهذه صحيفة «يديعوت أحرونوت» تعيد إنتاج «زلزال» من خلال إسقاطات طريفة
«يديعوت أحرنوت» ــ أرييلا هوفمان
في التاسع عشر من تموز 2006، بعد سبعة أيام من اندلاع حرب لبنان الثانية، نشرت صحيفة «هآرتس» رسماً كاريكاتورياً لم يكن شيء ليُعبّر عن دلالاتها الإسرائيلية أكثر مما فعل.
يظهر في الرسم رجل وامرأة في فراش المطارحة، وإلى جانبهما على سجادة صغيرة يوجد زجاجة نبيذ فارغة وكأسان مرميّتان وحمالة صدر نسائية مطروحة.
«صحيح أنّ هناك كراهية (للأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله، لكونه يمثل كل من يلحق بنا الأذى (كإسرائيليين)، إلا أنّ ذلك يعكس نظرة كراهية من نوع آخر، لم تكن موجودة في السابق تجاه أيّ زعيم مُعادٍ لإسرائيل. فالجمهور لم ينظر إلى نصر الله كشخص شرّير مُثير للاشمئزاز، بل نظر إليه بنوع من الغيرة والحسد. لسان حال الإسرائيليين يقول: لقد أجاد نصر الله اللعبة، لكن ليذهب إلى الجحيم ... ويا ليت كان لدينا زعيم كهذا». هي كلمات إسرائيلية، تختصر مقاربة العدو لصورة نصر الله في عمق وعيهم ومدى تأثيره عليهم، وردت في بحث طويل أجراه الدكتور أودي ليفل، المحاضر البارز في علم النفس السياسي وعلاقات الجيش ووسائل الاعلام في جامعة «بن غوريون» في النقب، بعد عام على انتهاء حرب عام 2006، إذ خلص في استنتاجات بحثه الى أنّ «صدقية نصر الله لدى الجمهور الإسرائيلي أقوى بكثير من صدقية الزعماء الإسرائيليين، وبالذات بعد انتهاء حرب لبنان الثانية». وتابع ليفل مُوضحاً، في مقابلة أجريت معه عن النتائج التي توصل إليها في بحثه الذي نُشر أخيراً في إسرائيل، «في مواجهة زعيم يتمتع بتأثير إعلامي مثل نصر الله، كان يتعيّن على المؤسسة الإسرائيلية الرسمية تجنيد ردٍّ بالمستوى نفسه على الأقل».

0 التعليقات:

إرسال تعليق

على القرّاء كتابة تعليقاتهم بطريقة لائقة لا تتضمّن قدحًا وذمًّا ولا تحرّض على العنف الاجتماعي أو السياسي أو المذهبي، أو تمسّ بالطفل أو العائلة.
إن التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع كما و لا نتحمل أي أعباء معنويّة أو ماديّة اطلاقًا من جرّاء التعليق المنشور .