الأربعاء، 9 يناير 2013

الرئيس سليمان " مسبّع القارات "


عربيّاً، الرئيس «سواح». زار مصر قبل سقوط النظام، سوريا قبل أحداثها، مملكة البحرين وديكتاتورها، إمارة قط
ر التابعة لقناة الجزيرة، دولة الإمارات التي طردت اللبنانيين ولم يقنعها بتغيير رأيها، الكويت الشقيق، والعراق أيضاً. كذلك أولم السعوديون على شرفه أكثر من مرة. الزيارات العربيّة غير مكلفة للضيف عادة، والعرب طائيّون كجدهم حاتم. في تركيا زار ضريح أتاتورك، وفي إيران زار ضريح الإمام الخميني. هذه أمور تحدث في الزيارات الدبلوماسيّة، واللبنانيّون بارعون في «البروتوكولات». اللبناني «سبّع الكارات». لكن زيارات الرئيس الخارجيّة، في السنوات الثلاث الأخيرة، تخطت الحد المعقول، في بلاد على شفير الهاوية، ولا يعلم أحد إلا الله متى تهوي. زيارات لا تتوقف، وربما فسّر هذا الأرقام الهائلة التي تطالب بها وزارة الخارجيّة. أما فحوى الزيارات، وأهميّتها السياسيّة، فليكن الحكم للشعب. الرئيس «سبّع القارات». كلف الدولة 3 مليارات و899 مليون ليرة لبنانيّة، فقط لاستئجار طائرات خاصة


نأى الرئيس بنفسه عن كل شيء إلا عن السفر. وعلى خطاه يسير الجميع. لعل أهم بند على جلسة مجلس الوزراء اليوم، سيكون طلب وزارة الخارجيّة والمغتربين «اتخاذ القرار المناسب بشأن صرف نفقات الوفود المكلفة الانتقال إلى الخارج خلال الأعوام السابقة (2006 ــ 2012)». ووفقاً لطلب الوزارة، تبلغ هذه التكاليف 13 ملياراً و846 مليوناً و788 ألف ليرة لبنانيّة، أي أكثر من 9 ملايين دولار.

يبدو الرقم صغيراً، قياساً إلى حسابات الدول، لكنه لا يعود كذلك عندما يتبيّن أن قيمة الإنفاق على الدراسات والأبحاث، في مشروع موازنة 2012، يساوي صفراً، وأن الإنفاق على الرياضة، في مشروع الموازنة نفسه، هو 6 مليارات تقريباً، ومثلها على الثقافة، و 7 مليارات و922 مليوناً على الصناعة. السفر مكلف أكثر من الصناعة، ومن الثقافة، ومن الرياضة. وللرئيس، حصة الأسد. نصف المبلغ صرف لتأجير طائرات خاصة له، حسب الملف الذي أعدته وزارة الخارجيّة. وزارة الماليّة، بموجب كتابها رقم 2741، في الصفحة الأولى، بتاريخ 14 آب 2012، أفادت بأن هذه التكاليف المتعلقة بالسفر تعود إلى ما بعد 2006. وبعد أخذ ورد بين وزارتي الخارجيّة والماليّة، ورد كتاب أخير من الأولى إلى الثانية، أول كانون الأول المنصرم، أكدت مضمون كتابها الذي أرسلته في أيلول، وطالبت فيه بتسديد «تكاليف السفر». لذلك، طلبت وزارة الخارجيّة والمغتربين وضع هذا الملف على طاولة مجلس الوزراء.

 تضمن كتاب وزارة الخارجيّة شرحاً مفصلاً لتكاليف زيارات الوفود والبعثات الرسميّة اللبنانيّة عن الأعوام الفائتة. في 2006، مثلاً، تكلفت الدولة 50 مليون ليرة، بين برن والرياض. في 2007، اتسعت رقعة التكاليف، فامتدت إلى روما (مرتين)، الرياض (مرتين)، الرياض، وطوكيو. هذه المرة كلفت 101 مليون ليرة. وتأخذ هذه التكاليف منحىً تصاعدياً، إذ تصل في 2011 إلى 800 مليون، وينتهي مجموع تكاليف البعثات بمبلغ 4 مليارات و981 مليون ليرة. أما «المعاملات غير المنجزة» فكلفت مليارين و317 مليوناً و632 ألف ليرة لبنانيّة، ومن بين الذين يستفيدون منها شخصيات لبنانيّة «دبلوماسيّة» و«سياسيّة» معروفة. ولطيران الشرق الأوسط، حصة من المبالغ بذمة وزارة الماليّة، تبلغ ملياراً و967 مليوناً و156 ألف ليرة لبنانيّة. أما رئيس الجمهوريّة، فقد صرف وحده، بين أعوام 2008 و2012، مبلغ 3 مليارات و899 مليوناً و797 ألف ليرة كلفة استئجار طائرات خاصة. هنا، عينة من نشاطات الرئيس.
كأرز لبنان ينمو
في أرمينيا، زار سليمان مصنع «يريفان براندي» القديم، وكان في استقباله مدير المصنع الذي شرح له مراحل تصنيع البراندي. تأثر الرئيس كثيراً، ودوّن في كتاب الشرف: «عناقيد كثيرة من العنب امتزجت وجعلت هذا المشروب مدعاة فخر لأرمينيا واقتصادها، وهو قديم قدم تراثها وقيمها وحضارتها المميزة». وإلى البراندي، زار كاتدرائية السيدة، وهي أول كنيسة شيّدت في السنة الأولى من القرن الرابع. هناك، عاين الرمح الذي يعتقد أنه استعمل لطعن السيد المسيح، وهو على الصليب، إضافة إلى ذخائر للقديسين بطرس ويوحنا ولوقا. وفي روما، تناول الغداء في مطعم بالاتزيو برانكاتشو الشهير، بصحبة البطريرك صفير وكرادلة إيطاليين، والتقى النحات الإسباني ماركو أوغستو دويناس الذي نحت تمثال مار مارون في الفاتيكان. لا تفوت الرئيس شاردة ولا واردة. كان الاحتفال كبيراً، تكلل بحضور الحبر الأعظم البابا بنيديكتوس السادس عشر، الذي وصل «وسط تصفيق الحاضرين»، حيث تليت صلاة خاصة للمناسبة تضمنت عبارة النبي أشعيا في الكتاب المقدس: «الصديق كالنخل يزهر وكأرز لبنان ينمو». ربما من هنا، يأتي تصديق اللبنانيين لأنفسهم؛ الكتاب المقدس. وكما في روما كذلك في مكسيكو. انبهر سليمان كثيراً بـ«متحف الإنسان». دوّن في سجلات المتحف: «إن هذا المتحف الأثري الغني، يعود بزائره إلى آلاف السنين من تاريخ المكسيك الحضاري الأصيل، يوم كانت شعوب كثيرة غارقة في ظلمات الجهل». في البرازيل، تفقد «كوركوفادو» حيث يقع تمثال المخلّص، والتقط الصور التذكاريّة مع عقيلته لتوثيق الزيارة التاريخيّة. أما في روسيا، فزار معهد «مغيمو» الدولي الروسي للدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية والسياسية التابع لجامعة موسكو الوطنية، وألقى هناك كلمة «استراتيجيّة»، عرض فيها انتكاسات لبنان الأولى جرّاء النكبة التي حلّت بفلسطين عام 1948، وأدّت إلى «تدفّق عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضه المحدودة المساحة والموارد».

 ذهب سليمان إلى إسبانيا، على «حساب» الدولة أيضاً. ختمها في برشلونة، ولكنه لم يلتق ليونيل ميسي، أو يرتدِ قميصه، كما فعل الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض. اجتمع سليمان برئيس جمهورية كاتالونيا، خوسيه مونتيلا اي اغويليرا، وتناول الجميع غداءً برشلونيّاً تقليديّاً، قبل أن يشربوا نخب شعبي لبنان وكاتالونيا. ولم يترك الرجل زياراته للولايات المتحدة تذهب بلا فائدة. في واحدة منها، التقى ملكة جمال الولايات المتحدة، ريما فقيه، فمنحها «درع رئاسة الجمهوريّة». وفي بريطانيا العظمى، لبّى دعوة دوق يورك الأمير أندرو إلى الغداء، وبحث معه «الأزمة المالية العالمية». كان هذا في ظهيرة إنكليزيّة باردة. عصراً، توجه الرئيس لزيارة ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز في مقره في قصر «كلارنس هاوس». ونقل الوفد المرافق أن تشارلز «معجب بحيوية الشعب اللبناني الذي تمكن عبر تاريخه من التغلب على مآسٍ عديدة والخروج منها بتضامن وثبات». ولم يوضح أحد إن كان الرئيس قد أوضح للأمير البريطاني أن هذه المعلومة خاطئة تماماً. لاحقاً، أظهر الرئيس تعاطفه مع الجنود الإنكليز الذين «ضحوا من أجل الإنسانيّة»، وذلك في كاتدرائية «وستمينستر» التي يتوج فيها ملوك بريطانيا، وتضم جثامين كبار رجالات المملكة المتحدة. جولة تاريخيّة أخرى لسليمان، في فرنسا هذه المرة. في باريس، ذات زيارة، استقبل سليمان، بحضور زوجته، السيدة نازك الحريري التي رغبت في إلقاء التحية والترحيب بالرئيس وعقيلته، بعد لقاء «هادئ» مع الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. وفي مجلس الشيوخ، عقد لقاء مع رئيسه، جان بيار بيل، وتناول البحث «العلاقات الثنائية والتعاون القائم بين فرنسا ولبنان على كافة المستويات»، صدق أو لا تصدق، هذه هي الدبلوماسيّة: «العلاقات الثنائيّة». لم تكن زيارة تاريخيّة لباريس، بل متكررة. الزيارة «التاريخيّة»، وفقاً لموقع رئاسة الجمهوريّة، لسيدني. هناك، زار سليمان دير ومدرسة مار شربل في سيدني التابع للرهبنة اللبنانية المارونية. ولأنها زيارة «تاريخيّة»، قبيل مغادرته سيدني، زار دار أوبرا سيدني الشهيرة، فتابع صف «باليه كلاسيك» لفرقة باليه سيدني الدولية، وفي صالة أخرى، عزفت أوركسترا سيدني الفيلهارمونية معزوفات كلاسيكية تحية للرئيس. وفي أوستراليا، كرجل ديموقراطي، التقى سليمان رئيس المعارضة الأوستراليّة، واستمع إلى وجهة نظره (!)

 ولأن لبنان بلد زاخر بالجسور، ومعروف بسرعة إتمامها، زار الرئيس جسر «تشارلز بريدج» في تشيكيا، الذي يصل ضفتي نهر الفاتلافا. فيما يأمل اللبنانيّون أن يصار إلى إنهاء جسر بشارة الخوري، أو ترميم جسر سليم سلام، أو جسر أنطلياس، على هذا النحو، لتعميم الفائدة من الزيارة التاريخيّة، وخاصةً أن عمدة براغ أشار إلى «التشابه بين مدينتي بيروت وبراغ». بعد تشيكيا، زار سليمان رومانيا، واستقبله قائد منطقة بوخارست العسكريّة، وفي جو «عسكري» حميم، وضعا إكليلاً من الزهر على ضريح «الجندي المجهول». وفي أثينا وضع سليمان إكليلاً آخر على نصب مماثل. في لبنان لا جندي مجهول. الجنود جميعهم معروفون. وفوجئ الوفد المرافق بأن لبنان ليس البلد «الفريد» الوحيد في الكون، إذ أخبره رئيس الأوروغواي، خوسيه موخيكا، أن بلاده «صورة مصغرة عن لبنان البلد الصغير جغرافياً الذي يتضمن كل العائلات ومن كل الطوائف»، من دون أن يوضح رئيس الأوروغواي أين يقيم شيعة بلاده وموارنتها وسنّتها ودروزها! وكي تتم الزيارة على أفضل وجه، زار سليمان موقع النصب التذكاري للجنرال خوسيه جرفاسيو ارتيغاس، بطل الاستقلال الأوروغوياني، حيث وضع، كالعادة، إكليلاً من الزهر على نصبه. كانت زيارة تقليديّة على عكس زيارة بيونس أيرس. في الأخيرة، قال الرئيس الحيادي ما لا يقوله في لبنان. فأثناء لقاء مع ممثلي الصحافة، بالشيراتون، طمأن إلى أن «لبنان يعمل على نزع السلاح من القوى غير الرسمية فيه أكان حزب الله أم القوى السلفية أم غيرها، وذلك عبر تجميد استعمال السلاح في المرحلة الأولى تمهيداً لنزعه في مرحلة ثانية». واستبعد «حصول صراع بين سوريا وتركيا»، مطالباً السلطات السوريّة بضبط المخالفات من نوع «قطع الأشجار ونسف المنازل». وكما فعل الرئيس كميل شمعون في 1954، زار سليمان ساحة المحرر سان مارتين، تعرفونه طبعاً.
 كل هذه النشاطات كلّفت الخزينة مليارات الليرات. وقبل يومين، غرق اللبنانيّون في «شبر» ماء.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

على القرّاء كتابة تعليقاتهم بطريقة لائقة لا تتضمّن قدحًا وذمًّا ولا تحرّض على العنف الاجتماعي أو السياسي أو المذهبي، أو تمسّ بالطفل أو العائلة.
إن التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع كما و لا نتحمل أي أعباء معنويّة أو ماديّة اطلاقًا من جرّاء التعليق المنشور .