
ناصر شرارة -
السبت الماضي، استضاف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، في قصره في المختارة، سفراء الدول العربية لتبادل الآراء معهم في تطورات لبنان والمنطقة. لقاء السفراء عادة محبّبة لدى الزعيم الاشتراكي، وهو إرث من إبقاء الصلات مفتوحة مع دول العالم، ولا سيما الكبرى، تحافظ عليه المختارة منذ أيام القناصل.
لكن اللقاء الأخير، جرى وفق حسابات جنبلاطية خاصة تتعدى المحافظة على الإرث. إذ أراد بيك المختارة انتهاز دعوته السفراء العرب لطرق باب السفارة السعودية بحجة انها مشمولة بالدعوة.
لم تنجح «الحيلة» الجنبلاطية بعدما قاطع السفير السعودي اللقاء. وكانت المفاجأة الأبعد أثراً عندما تخلّف السفير القطري في لبنان سعد علي هلال المهندي عن الحضور أيضاً. وبدل أن يكون اللقاء فرصة لفتح كوّة في الباب السعودي الموصد في وجه جنبلاط الذي يكابد في معالجة مزلاجه، منذ زيارته الاخيرة الفاشلة إلى المملكة، تحول خيبة امل تقارب اليأس من مواصلة هذه المحاولات. أكثر من ذلك، تضمّنت مقاطعة السفير علي عواض العسيري رسالة سعودية إضافية، مفادها ان الباب القطري، ايضاً، أصبح موصداً في وجهه.
لاحظ السفراء الحضور، بعد اكتمال عددهم، نظرات جنبلاط الزائغة وهي تتأمل مقعد العسيري الخاوي. لكنه فضل الاعتصام بالصمت. ولدى وداعه السفراء على باب القصر، استغل فرصة تقدم الوزير وائل ابو فاعور الى جانبه ليستأذنه بالذهاب الى القاهرة لحضور مؤتمر وزراء الخارجية العرب من اجل النازحين السوريين، فقال له على مسمع السفراء: «لا شك انك ستلتقي بوزير خارجية مصر هناك. سلم عليه»، ثم أردف قائلا مع ابتسامة صفراء: «واذا رأيت وزير الخارجية السعودي بلّغه سلامي».
أحد السفراء العرب رصد خلال اللقاء وقائع ما وصفه بـ«حفلة التهامس» التي سادت بين زملائه خلال اللقاء، تعليقاً على غياب السفير السعودي ومفاجأة المقاطعة القطرية. ونقل عن أحد السفراء أن السعودية تخطئ في المبالغة بمقاطعة جنبلاط، علما بأنه يبدي صبراً كبيراً في انتظار عودتها عن موقفها هذا. وبحسب معلومات السفير، فإن جنبلاط كان يتوقع من باب التحليل ان يرن هاتفه خلال الأسابيع الاخيرة الماضية حاملا خبر دعوته الى السعودية. لكن ذلك لم يحصل، ما دفعه الى تقريب موعد زيارته لموسكو التي كانت حتى قبل ايام مجرد دعوة مفتوحة له من نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.
وضمن هذا السياق، قرّر جنبلاط، بحسب السفير العربي، التوجه الى روسيا لترميم علاقته بها، بعدما تأكد ان محاولاته مع الرياض لاعادة انفتاحه عليها محكومة بالفشل حتى أمد طويل. وكشف السفير ان جنبلاط كان قد شكا لنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام أواسط الصيف الماضي خلال مكالمة هاتفية ما يعانيه من صلف السعودية معه، فرد خدام طالباً منه الصبر، ونقل اليه كلاماً منسوباً إلى الأمير بندر بن سلطان مفاده أن «الاسد شارف على النهاية». وهنا رد جنبلاط منفعلاً: «حينما اسمعك واسمع السعوديين، أشعر بأن الاسد سيسقط غدا، وعندما اقوم بتقدير الموقف أشعر بأننا جميعاً سنسقط قبله». أضاف: «انني في وضع خطر. الرياض تقفل أبوابها بوجهي والسفير الروسي في بيروت أخبرني ان موسكو لا يمكنها الاستمرار في تأمين غطاء الحماية لي فيما لو استمريت في مواقف عالية اللهجة ضد النظام السوري». حاول خدام تهدئته وإبلاغه ان الازمة مع السعودية لن تطول، مكررا على مسمعه عبارة «أيام الاسد معدودة، أؤكد لك ذلك».
يخلص السفير العربي إلى القول «أغلب الظن ان جنبلاط يقصد روسيا في هذا الوقت لاستعادة غطاء حمايتها له». ويدلل على وجاهة تقديره هذا بالقول: «خلال احد لقاءاتي الأخيرة به، ابلغني ان حياته مهددة وكذلك الحال بالنسبة إلى الرئيس نبيه بري». وبعد صمت وجيز علّق مبتسماً: «رغم ذلك الحياة والسياسة تستمران».
وقائع لقاء المختارة
السؤال المركزي الذي حاول السفراء العرب الحصول من جنبلاط على اجابة عنه أثناء اللقاء، هو: كيف يقدّر أن يتصرف حزب الله في حال انهار النظام السوري؟. أول من بادر الى طرح هذا السؤال كان السفير المغربي في لبنان. لكن جنبلاط تجاهل الاجابة عنه بحنكة مكشوفة، وقال إن الكلام على مشاركة حزب الله في القتال في سوريا، يقتصر ربما على الدفاع عن مقام السيدة زينب في دمشق. وبعد إلحاح من غير سفير للإجابة عن السؤال الاساس، أجاب: «لا يوجد توقّع لدي. الحقيقة ان الاجابة غير متوفرة عن هذا السؤال». وكرر: «لا احد يعرف كيف سيتصرف حزب الله في حال سقط الاسد».
اما عن سوريا فقال جنبلاط: «معلوماتي ان بشار الاسد يحضّر لمعركة دمشق الكبرى. فهو بدأ يسحب جنوده بشكل كثيف من الشمال لمصلحة حشد كل قوته في دمشق لحسم المعركة فيها وتأمين محيطها». أضاف: «يشير تصرفه هذا الى انه سيخسر الشمال. ومن وجهة نظري فانه في النهاية سيخسر كل شيء». ثم استدرك قائلاً: «في كل الأحوال فان الرابح الاكبر مما يجري هو اسرائيل».
0 التعليقات:
إرسال تعليق
على القرّاء كتابة تعليقاتهم بطريقة لائقة لا تتضمّن قدحًا وذمًّا ولا تحرّض على العنف الاجتماعي أو السياسي أو المذهبي، أو تمسّ بالطفل أو العائلة.
إن التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع كما و لا نتحمل أي أعباء معنويّة أو ماديّة اطلاقًا من جرّاء التعليق المنشور .