خطا النائب بطرس حرب وزملاؤه في اجتماعهم أول من أمس خطوة إضافية في مسيرة بدأت تتضح معالمها قبل ربع قرن، أساسها: تشريع هيمنة تيار المستقبل على صلاحيات رئاسة الجمهورية وفعالية مجلس الوزراء ومقاعد مجلس النواب، وضرب الإجماع المسيحيّ حيثما وجد، وطرح شعارات فضفاضة كبيرة.
-غسان سعود-
في عام 1989، كان العماد ميشال عون يرتدي بذلته الجنرالية المرقطة، خائضاً ما يُعرف عونياً بحرب «تحرير لبنان من القوات العسكرية السورية واستخباراتها». أما النائب بطرس حرب، فكان يقيم في البذلة الرسمية الأنيقة البيضاء، في الصرح البطريركيّ، مسوقاً على رأس «لقاء النواب المسيحيين المستقلين» مشروع الإطاحة العسكرية السورية بعون، الممثل باتفاق الطائف. ولم يلبث حرب أن شغل نفسه عن نداءات بعبدا السيادية بتعبيد الطريق التشريعي لتقدم القوات العسكرية السورية ميدانياً، باتجاه تغيير النظام السياسي اللبناني.
بعد ثلاثة وعشرين عاماً، خسر المسيحيون ما خسروه ليعودوا إلى المشهد نفسه: عون في ثياب القتال على جبهة تحتاج إلى استنفار مسيحيّ عام ووحدة صف غير مسبوقة، وحرب في لقاء آخر لمسيحيين مستقلين يكادون يكونون هم أنفسهم، يلعب لعبته السابقة نفسها. وحرب ليس مجرد «مسيحي مستقل» لا في المواجهة السابقة ولا الحالية. فما كاد نظام الطائف عام 1992 يبدأ بحثه عن غطاء مسيحيّ يظلله، في ظل المقاطعة المسيحية الشاملة للانتخابات النيابية، حتى تهافت أصدقاء حرب: ترأس أوغست باخوس لجنة حرب للإدارة والعدل سبعة عشر عاماً. قبض فؤاد السعد على لجنة الرئيس رفيق الحريري للأشغال العامة. تقدمت نايلة معوض شمالاً زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، بفضل تدخل الاستخبارات السورية في الانتخابات. أسس ميشال المر دويلته المتنية. وتزعم بيار حلو (والد النائب هنري حلو) النصاب المسيحي في المجلس النيابي، في ظل مقاطعة أكثرية المسيحيين ـــ غير المستقلين أبداً ـــ تلك الانتخابات. ولم يلبث حرب في الدورة الانتخابية التالية أن توج أدواره الاستعراضية بترؤس نواة لائحة ثالثة تمكنت لشدة إعجاب المسيحيين المستقلين بحرب من اختراق اللائحتين الأساسيتين، مُحِلَةً حرب ثانياً في الشمال بعد معوض رغم «القبضة السورية» و«الغش والتزوير» اللذين يدأب حرب ـــ عن معرفة ــ على اتهام الاستخبارات السورية بهما.
لم يكن مشهد المجتمعين في منزل حرب أول من أمس غريباً في السياق التاريخي. متصالحون مع تاريخهم إنما يجتمع بطرس حرب وهنري حلو وفؤاد السعد وميشال نايلة معوض وميشال فرعون ونقولا غصن وأنطوان سعد وسمير فرنجية والياس عطا الله في بيت الأول للقول إن انتخاب المسيحيين 64 نائبا مسيحيا يؤدي إلى المثالثة! وإن المثالثة – لا هيمنة تيار المستقبل على ثلث المقاعد المسيحية في المجلس النيابي ـــ تدمر الوجود المسيحي في لبنان! وتمزق النسيج الطائفي! ويبادرون من تلقاء أنفسهم إلى طرح ما يحجم آخرون عن طرحه بشأن عديد المسيحيين، معتبرين أن اقتراح القانون الأرثوذكسي «يسلط الضوء على الفارق العددي بين اللبنانيين». مع العلم أن أحداً لا يتطرق إلى هذا الأمر، ولا يمكن تيار المستقبل من جهة وحزب الله وحركة أمل من جهة أخرى طرحه الآن لتدميره تحالفاتهما المسيحية. وفي رأي حرب وزملائه، فإن انتخاب الطوائف الثماني عشرة لممثليها في المجلس النيابي هو ما يؤدي إلى نشوء 18 دويلة متناحرة، لا تهميش طائفة أو اثنتين الطوائف الستّ عشرة الأخرى. وفي مناورة تضحك، يرفض هؤلاء اقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي دون أن يقدموا بديلهم الذي يؤمن «تصحيح التمثيل المسيحي» كما يطالبون، أو يشرحوا كيف يريدون وضع حد لـ«فرض نواب مسيحيين على المسيحيين، منتخبين من طوائف أخرى» طالما أنهم يرفضون الاقتراح الأرثوذكسيّ.
من سمع بالاجتماع الحربيّ أول من أمس وعرف المجتمعين، ما كان يتوقع منهم أقل مما قالوه: لولاهم لما وجد في مدينة الطائف مسيحيين، ولا قوطعت المقاطعة، ولا وجدت اتفاقية الأخوّة والتعاون والتنسيق أيادي تباركها في المجلس النيابي، ولا أعيد العمل عام 2005 بعد انسحاب قوات غازي كنعان بقانون كنعان الانتخابي. منذ 23 عاماً وشغل هؤلاء الشاغل تشريع الهيمنة المستقبلية على النفوذ المسيحي عبر الطائف أولاً فالانتخابات النيابية ثم قوانين الانتخاب والإدارة. عضوا كتلة المستقبل ميشال فرعون ونقولا غصن، وهنري حلو وفؤاد السعد وأنطوان سعد الجنبلاطيون، باتوا الآن مسيحيين مستقلين. ميشال معوض «مسيحي مستقل» وسليمان فرنجية «مسيحي تابع». بدل أن ينظر النائب دوري شمعون في المرآة، مستكشفاً سبب استثنائه من اجتماعات الأحزاب المسيحية، يصبح مسيحياً مستقلاً؛ وريث كميل شمعون لا يحظى في انتخابات الشوف الأخيرة بتأييد خمسين بالمئة من أصوات المقترعين الموارنة. يريد بطرس حرب أن لا يبيع المسيحيّ أرضه لغير المسيحيّ، وينتخب غير المسيحي نواب المسيحيين.
في عام 1989، هرب هؤلاء من منازلهم، إذ حاصرها العونيون بكراتين البيض وعلب الحجارة و«سحاحير» البندورة. ولم يلبث قائد القوات اللبنانية سمير جعجع أن اكتشف بعد سنتين من تآمره معهم على العماد ميشال عون، أنهم تآمروا مع غيره عليه.
-غسان سعود-
في عام 1989، كان العماد ميشال عون يرتدي بذلته الجنرالية المرقطة، خائضاً ما يُعرف عونياً بحرب «تحرير لبنان من القوات العسكرية السورية واستخباراتها». أما النائب بطرس حرب، فكان يقيم في البذلة الرسمية الأنيقة البيضاء، في الصرح البطريركيّ، مسوقاً على رأس «لقاء النواب المسيحيين المستقلين» مشروع الإطاحة العسكرية السورية بعون، الممثل باتفاق الطائف. ولم يلبث حرب أن شغل نفسه عن نداءات بعبدا السيادية بتعبيد الطريق التشريعي لتقدم القوات العسكرية السورية ميدانياً، باتجاه تغيير النظام السياسي اللبناني.
بعد ثلاثة وعشرين عاماً، خسر المسيحيون ما خسروه ليعودوا إلى المشهد نفسه: عون في ثياب القتال على جبهة تحتاج إلى استنفار مسيحيّ عام ووحدة صف غير مسبوقة، وحرب في لقاء آخر لمسيحيين مستقلين يكادون يكونون هم أنفسهم، يلعب لعبته السابقة نفسها. وحرب ليس مجرد «مسيحي مستقل» لا في المواجهة السابقة ولا الحالية. فما كاد نظام الطائف عام 1992 يبدأ بحثه عن غطاء مسيحيّ يظلله، في ظل المقاطعة المسيحية الشاملة للانتخابات النيابية، حتى تهافت أصدقاء حرب: ترأس أوغست باخوس لجنة حرب للإدارة والعدل سبعة عشر عاماً. قبض فؤاد السعد على لجنة الرئيس رفيق الحريري للأشغال العامة. تقدمت نايلة معوض شمالاً زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، بفضل تدخل الاستخبارات السورية في الانتخابات. أسس ميشال المر دويلته المتنية. وتزعم بيار حلو (والد النائب هنري حلو) النصاب المسيحي في المجلس النيابي، في ظل مقاطعة أكثرية المسيحيين ـــ غير المستقلين أبداً ـــ تلك الانتخابات. ولم يلبث حرب في الدورة الانتخابية التالية أن توج أدواره الاستعراضية بترؤس نواة لائحة ثالثة تمكنت لشدة إعجاب المسيحيين المستقلين بحرب من اختراق اللائحتين الأساسيتين، مُحِلَةً حرب ثانياً في الشمال بعد معوض رغم «القبضة السورية» و«الغش والتزوير» اللذين يدأب حرب ـــ عن معرفة ــ على اتهام الاستخبارات السورية بهما.
لم يكن مشهد المجتمعين في منزل حرب أول من أمس غريباً في السياق التاريخي. متصالحون مع تاريخهم إنما يجتمع بطرس حرب وهنري حلو وفؤاد السعد وميشال نايلة معوض وميشال فرعون ونقولا غصن وأنطوان سعد وسمير فرنجية والياس عطا الله في بيت الأول للقول إن انتخاب المسيحيين 64 نائبا مسيحيا يؤدي إلى المثالثة! وإن المثالثة – لا هيمنة تيار المستقبل على ثلث المقاعد المسيحية في المجلس النيابي ـــ تدمر الوجود المسيحي في لبنان! وتمزق النسيج الطائفي! ويبادرون من تلقاء أنفسهم إلى طرح ما يحجم آخرون عن طرحه بشأن عديد المسيحيين، معتبرين أن اقتراح القانون الأرثوذكسي «يسلط الضوء على الفارق العددي بين اللبنانيين». مع العلم أن أحداً لا يتطرق إلى هذا الأمر، ولا يمكن تيار المستقبل من جهة وحزب الله وحركة أمل من جهة أخرى طرحه الآن لتدميره تحالفاتهما المسيحية. وفي رأي حرب وزملائه، فإن انتخاب الطوائف الثماني عشرة لممثليها في المجلس النيابي هو ما يؤدي إلى نشوء 18 دويلة متناحرة، لا تهميش طائفة أو اثنتين الطوائف الستّ عشرة الأخرى. وفي مناورة تضحك، يرفض هؤلاء اقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي دون أن يقدموا بديلهم الذي يؤمن «تصحيح التمثيل المسيحي» كما يطالبون، أو يشرحوا كيف يريدون وضع حد لـ«فرض نواب مسيحيين على المسيحيين، منتخبين من طوائف أخرى» طالما أنهم يرفضون الاقتراح الأرثوذكسيّ.
من سمع بالاجتماع الحربيّ أول من أمس وعرف المجتمعين، ما كان يتوقع منهم أقل مما قالوه: لولاهم لما وجد في مدينة الطائف مسيحيين، ولا قوطعت المقاطعة، ولا وجدت اتفاقية الأخوّة والتعاون والتنسيق أيادي تباركها في المجلس النيابي، ولا أعيد العمل عام 2005 بعد انسحاب قوات غازي كنعان بقانون كنعان الانتخابي. منذ 23 عاماً وشغل هؤلاء الشاغل تشريع الهيمنة المستقبلية على النفوذ المسيحي عبر الطائف أولاً فالانتخابات النيابية ثم قوانين الانتخاب والإدارة. عضوا كتلة المستقبل ميشال فرعون ونقولا غصن، وهنري حلو وفؤاد السعد وأنطوان سعد الجنبلاطيون، باتوا الآن مسيحيين مستقلين. ميشال معوض «مسيحي مستقل» وسليمان فرنجية «مسيحي تابع». بدل أن ينظر النائب دوري شمعون في المرآة، مستكشفاً سبب استثنائه من اجتماعات الأحزاب المسيحية، يصبح مسيحياً مستقلاً؛ وريث كميل شمعون لا يحظى في انتخابات الشوف الأخيرة بتأييد خمسين بالمئة من أصوات المقترعين الموارنة. يريد بطرس حرب أن لا يبيع المسيحيّ أرضه لغير المسيحيّ، وينتخب غير المسيحي نواب المسيحيين.
في عام 1989، هرب هؤلاء من منازلهم، إذ حاصرها العونيون بكراتين البيض وعلب الحجارة و«سحاحير» البندورة. ولم يلبث قائد القوات اللبنانية سمير جعجع أن اكتشف بعد سنتين من تآمره معهم على العماد ميشال عون، أنهم تآمروا مع غيره عليه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
على القرّاء كتابة تعليقاتهم بطريقة لائقة لا تتضمّن قدحًا وذمًّا ولا تحرّض على العنف الاجتماعي أو السياسي أو المذهبي، أو تمسّ بالطفل أو العائلة.
إن التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع كما و لا نتحمل أي أعباء معنويّة أو ماديّة اطلاقًا من جرّاء التعليق المنشور .