الخميس، 27 سبتمبر 2012

تاريخ الحركات الصهيونية العنصرية في فلسطين


احتفاظ العدو بالأراضي المحتلة لا يمكن للاعتبارات الإنسانية إلغاءه.. ومرتكبو المجازر في رأي المستوطنين «أبطال»
p07-01-27-09-12

إعداد: أحمد فخرالدين
كانوا مشتتين قبل تنفيذ ما خطط له في المؤتمر الصهيوني الذي عقد بزعامة «تيودور هرتزل» في مدينة بازل السويسرية في أواخر القرن التاسع عشر. وكان الهدف من المؤتمر، العمل على إقامة وطن قومي لليهود إما في فلسطين، أو الأرجنتين، أو أنغولا. وضمّ المؤتمر كل الجاليات اليهودية، بهدف العمل على تنفيذ هذا المشروع وقد كان الأساس في إنشاء ما يعرف بمشروع بازل.
في المؤتمر وقع الخيار على بلاد الشام وبالأخص فلسطين، وأُخذ القرار وراح اليهود يتداعون إلى فلسطين، ينظمون أنفسهم في الحركة الصهيونية ويستعطفون دول العالم لكسب الشرعية. ونجح «تيودور هرتزل» في الترويج لفكرة العودة إلى فلسطين وإقامة وطن لليهود هناك. وقامت المنظمة الصهيونية العالمية بتنفيذ البرنامج الصهيوني الذي ينص على أن «هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام».
وبدأ عمل الجهاز التنفيذي «الوكالة اليهودية» لتنفيذ قرارات المؤتمر،  ومهمتها جمع الأموال في صندوق لشراء الأراضي وإرسال المُهاجرين لإقامة المستعمرات لليهود في فلسطين.
عملت المنظمة الصهيونية العالمية بإصرار منذ صدور قرار تأسيسها الذي أصرعلى إقامة وطن لليهود، الأمر الذي تحقق على أرض فلسطين بعد «وعد بلفور» واتفاقية «سايكس- بيكو» وكرسته العصابات اليهودية - الصهيونية بارتكاب أفظع المجازر بحق الشعب الفلسطيني خلال النكبة عام 1948. سوف نلقي الضوء سويةً على هذه العصابات الإجرامية والاستطانية في هذا التقرير كي لا ننسى بأن فلسطين هي حق ليس من المسموح التخلي عنه أو نسيانه.
منظمة «الهاغانا»
«الهاغانا» كلمة عبرية تعني الدفاع، وهي منظمة عسكرية صهيونية «استيطانية»، أسست في القدس عام 1920 لتحل محل منظمة «الحارس».
ارتبطت «الهاغانا» في البداية باتحاد العمل ثم بحزبيّ «الماباي» و»الهستدروت». وفي عام 1929، شاركت «الهاغانا» في قمع انتفاضة الفلسطينيين ضد الاحتلال البريطاني، وقامت بالهجوم على المساكن والممتلكات الفلسطينية ونظمت المسيرات لاستفزاز الفلسطينيين وإرهابهم. كما ساهمت في عمليات «الاستيطان»، وخصوصاً بابتداع أسلوب السور والبرج لبناء «المستوطنات» الصهيونية في يوم واحد. ومع تعيين تشارلز وينجيت ضابطاً للمخابرات البريطانية في فلسطين عام 1936، نشأت أجواء التعاون بين منظمة «الهاغانا» وقوات الاحتلال البريطاني، حيث أشرف على تكوين الفرق الليلية الخاصة والسرايا المتحركة، وتنسيق الأنشطة بين المخابرات البريطانية وقسم المخابرات في «الهاغانا» المعروف باسم «شاي». وفي الوقت ذاته، تعاونت «الهاغانا» وقوات الاحتلال البريطانية في تشكيل شرطة حراسة «المستوطنات» اليهودية، وهو الدور الرئيسي الذي لعبته المنظمة منذ تأسيسها، وقد كان معظم أفرادها من أعضاء المنظمة.
منظمة الإرغون «إتسل»
منظمة «إتسل» هي اختصار لـ»المنظمة العسكرية القومية في أرض «إسرائيل»» وتعرف أيضاً باسم «الإرغون». وهي منظمة عسكرية صهيونية تأسست في فلسطين عام 1931 من اتحاد أعضاء «الهاغانا» الذين انشقوا عن المنظمة الأم وجماعة مسلحة من «البيتار». وقد بنيت المنظمة على أفكار «فلاديمير جابوتنسكي»، الداعية إلى ضرورة تجهيز القوة اليهودية المسلحة لإقامة الدولة، وأكدت على حق كل يهودي في دخول فلسطين. وكان شعار المنظمة عبارة عن يد تمسك بندقية كتب تحتها «هكذا فقط».
وفي عام 1937، توصل رئيس «إتسل» آنذاك «أبراهام يتهومي» إلى اتفاق مع «الهاغانا» لتوحيد المنظمتين، وأدى ذلك إلى انشقاق في «إتسل» حيث لم يوافق على اقتراح «يتهومي» سوى أقل من نصف الأعضاء البالغ عددهم 3000، بينما رأت الأغلبية ضرورة الحفاظ على استقلال المنظمة.
وفي عام 1940، حدث الانشقاق الثاني بخروج جماعة «أبراهام شتيرن» التي شكلت فيما بعد منظمة «ليحي» نظراً لاختلافهم بشأن الموقف الواجب اتخاذه من القوى المتصارعة في الحرب العالمية الثانية، وكان للعمليات الإرهابية التي قامت بها «إتسل» ضد المزارعين الفلسطينيين دوراً كبيراً في إرغام الكثير منهم على مغادرة البلاد. كما لجأت المنظمة إلى الهجوم على السيارات الفلسطينية المدنية، ونفذت بالتعاون مع «ليحي» وبمباركة «الهاغانا» مذبحة دير ياسين الشهيرة في 9 نيسان 1948.
منظمة «ليحي»
منظمة «ليحي» هي اختصار للعبارة العبرية «لوحمي حيروت يسرائيل» أي المحاربون من أجل حرية «إسرائيل»، وهي منظمة عسكرية صهيونية سرية أسسها «أبراهام شتيرن» عام 1940 بعد انشقاقه. وقد أطلق المنشقون على أنفسهم في البداية اسم «إرغون تسفاي ليومي بـ»إسرائيل»» أي «المنظمة العسكرية القومية في «إسرائيل»»، تمييزاً عن اسم المنظمة الأم، ثم تغيَّر فيما بعد إلى «ليحي». ومنذ عام 1942، أصبحت المنظمة تُعرَف أيضاً باسم مؤسسها «شتيرن» بعد مقتله على أيدي البريطانيين في فلسطين.
ونفذت المنظمة بعض العمليات الإرهابية ضد المنشآت الفلسطينية بالإضافة إلى عمليات السلب كما حدث في عملية السطو على البنك البريطاني الفلسطيني في أيلول 1940. ولإبراز أهدافها وترويج مبادئها، أصدرت المنظمة دوريتين هما: «هافريت» أي الجبهة، و»هاماس» أي العقل، أخذت توزعهما في أوساط التجمع «الاستيطاني» الصهيوني وأعضاء «إتسل والبالماخ». كما أصدرت مجلة داخلية سُمِّيت بـ»محتريت» أي العمل السري، واعتمدت أيضاً على الدعاية الإذاعية، وكانت قد استولت عند انشقاقها على جهاز البث التابع لـ»إتسل». والواقع أن مبادئ منظمة «ليحي» كانت أقرب إلى الشعارات الإنشائية منها إلى البرنامج السياسي، فـ»شعب إسرائيل» كما تُعرِّفه هو «شعب مختار، خالق دين الوحدانية، ومُشرِّع أخلاقيات الأنبياء، وحامل حضارات العالم، عظيم في التقاليد والبذل، وفي إرادة الحياة»، أما الوطن فهو «أرض «إسرائيل» في حدودها المفصلة في التوراة من نهر مصر وحتى النهر الكبير نهر الفرات هي أرض الحياة يسكنها بأمان الشعب العبري كله». وقد تمثلت أهداف المنظمة في «إنقاذ البلاد»، وقيام الملكوت «مملكة «إسرائيل» الثالثة»، و»بعث الأمة»، وذلك عن طريق جَمْع شتات اليهود بأسرهم وذلك بعد أن يتم حل مشكلة السكان الأجانب (الفلسطينيين) بواسطة تَبادُل السكان.
وقد تعرضت منظمة «ليحي» لعدة صراعات وهزات داخلية بدأت بعد أشهر من تشكيلها بانسحاب اثنين من أبرز المؤسسين هما «هانوخ قلعي» و»بنيامين زرعوني»، وقد انضما إلى «إتسل» ثم انسحبا فيما بعد. وجاءت الأزمة الثانية بعد مقتل «شتيرن»، إذ ألقت سلطات الاحتلال البريطانية القبض على عشرات من أعضاء المنظمة وحصلت منهم على اعترافات مهمة تتضمن أسماء زملائهم ومخابئ السلاح. وكادت هذه الأزمات أن تؤدي إلى تصفية المنظمة تماماً، إلا أنها استعادت قوتها بانضمام مجموعة من «البيتار» بزعامة «يسرائيل شيف» عقب هجرتهم من بولندا إلى فلسطين عام 1942، وكذلك بعد نجاح اثنين من قادتها هما «إسحاق شامير» و»إلياهو جلعادي» في الهرب من السجن عام 1942، ثم نجاح «نيثان فرديمان يلين مور» ومعه 19 من قادة «ليحي» في الهرب من السجن أيضاً عام 1943. إلا أن صراعاً نشب من جديد بين «شامي» و»جلعادي» بسبب اختلاف الآراء حول توجهات المنظمة، وقد حُسم الصراع لصالح الأول إذ تمكَّن من تدبير مؤامرة لاغتيال منافسه في رمال حولون.
وشاركت المنظمة في الهجوم على القرى والممتلكات الفلسطينية كما وساعدت منظمة «إتسل» بارتكاب مجزرة دير ياسين. وبعد إعلان قيام الكيان الغاصب الصهيوني، حُلَّت «ليحي» مع غيرها من المنظمات الإرهابية العسكرية وأُدمجت في جيش الدفاع «الإسرائيلي». ومع حل المنظمة، فشلت مساعي تحويلها إلى حزب سياسي. وتقديراً للدور الإرهابي للمنظمة، قررت الحكومة الصهيونية احتساب سنوات الخدمة فيها عند تقدير مكافآت الخدمة والمعاشات للموظفين، كما حصلت أرملة «شتيرن» على وشاح التكريم الذي أهداه رئيس الكيان الصهيوني «زلمان شازار» إلى كل المنظمات والمجموعات التي شاركت في جهود تأسيس الكيان الغاصب.
منظمة «إرهاب ضدّ إرهاب»
تعد منظمة «إرهاب ضد إرهاب» واحدة من أكثر المنظمات الإرهابية الصهيونية عدوانية وعنصرية وشراسة. ومعناها بالعبرية «تيرور نيفد تيرور»، وقد اشتهرت باسم «تي. إن. تي»، تأسست في أيار عام 1975، تحت زعم التصدي لـ»الإرهاب الفلسطيني»، وقد دشنت الإعلان عن وجودها بحرق أتوبيس لنقل الركاب الفلسطينيين في حي وادي الجوز في القدس، ثم أطلقت رسائل تهديد لشخصيات فلسطينية قيادية في الضفة الغربية محذرة بأنها ستقوم بتصفيتهم إذا استمرت عمليات المقاومة الفلسطينية ضد الصهاينة اليهود.
وقد تميزت المنظمة كونها شديدة التأثر من الناحية الأيديولوجية بالأفكار والدعوات الفاشية والعنصرية التي تطلقها الحركات الصهيونية المشابهة كحركة «كاخ» وحركة «جوش إيمونيم». وهي وثيقة الارتباط من الناحية التنظيمية بالحركة الأولى وتشير القرائن إلى أن عناصرهم في الغالب من اليهود الأميركيين الذين تم إعدادهم تنظيمياً وتدريبهم عسكرياً قبل أن يتم شحنهم لأداء مهماتهم في الأراض الفلسطينية المحتلة، وقد تم هذا الأمر برعاية الإرهابي «مائير كاهانا» الذي اعتقل ذات مرة وهو يحمل لافتة كتب عليها أنا أؤيد «T. N. T» ويشير البعض من كوادر هذه المنظمة إليها باعتبارها الجناح السري العسكري الذي يكمل عمل النشاط السياسي العلني لحركة «كاخ» العنصرية الفاشية لمواجهة (الإرهاب)، والمقصود هنا المقاومة الفلسطينية للعدو وقد غمرت الملصقات شوارع الأراضي المحتلة وغطت أبواب محلاتها التجارية ملصقات تتضمن شعار، (العين بالعين والسن بالسن).
وأثبتت التحقيقات مع العديد من عناصر هذه المنظمة مسؤوليتها عن العديد من العمليات الإرهابية، كان أهمها محاولة اغتيال رؤساء البلديات الفلسطينيين الثلاثة بسام الشكعة، كريم خلف وإبراهيم الطويل عام 1980، والانفجار الذي أطاح بمدخل سينما الزهراء في القدس في شباط 1982، ووضع عبوات متفجرة في مساجد الخليل في كانون الأول 1983 ووضع متفجرات في أنحاء متعددة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وغيرها.
ويقول «آندي جرين» عضو المنظمة وأحد صبية حركة «كاخ» وهو شاب يهودي مهووس مولود في أميركا تلقى تدريبه العسكري في معسكر للتدريب تابع لرابطة الدفاع اليهودي قبل انتقاله إلى الأراضي المحتلة لكي يمارس مهماته الإرهابية، «ليس للفلسطينيين أي حق في الأرض إنها أرضنا على نحو مطلق، لقد ورد هذا في التوراة، ذلك أمر لا يمكن الجدال فيه لذلك لست أرى مبرراً في الجلوس والتحدث إليهم عن الادعاءات المتعارضة بالحقوق، فالأقوى دوماً يحصل على الأرض»، وهو بناءً على تعليمات ألقاها عليه «كاهانا»، يعتبر الذين يقتلون الفلسطينيين أبطالاً، وقد شارك مع مجموعات من شباب اليهود الذين انتموا إلى فرع بروكلين من رابطة الدفاع اليهودي في مئات من عمليات إلقاء القنابل والاعتداءات الإرهابية وعمليات الاغتيال للفلسطينيين، وحينما كان مجنداً في جيش العدو الصهيوني هرّب أسلحة ومتفجرات إلى تنظيمه، وحاول ذات مرة سرقة دبابة من معسكره لقصف مدينة أريحا في الضفة الغربية، وعندما اعتقل في أعقاب عمليات تدمير واغتيال في الضفة الغربية أخبر جهاز الأمن الداخلي «الشين بيت» بحكايات مرعبة عن أعمال عنف ارتكبت بأسلوب منظمة «الكلوكلوكس كلان» الإرهابية الأميركية الشهيرة ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
حركة «غوش إيمونيم»
«غوش إيمونيم» ومعناها باللغة العربية كتلة المؤمنين، هي حركة «استيطانية» ذات ديباجات دينية «حلولية عضوية» تطالب بصهيونية الحد الأقصى. وهي لم تتخذ لنفسها إطاراً حزبياً وإنما اختارت أن تكون حركة شعبية غير ملتزمة إلا بالحفاظ على «أرض إسرائيل». ورغم توجهها الديني الحلولي الواضح، إلا أن هناك تداخلاً بين الديني والقومي. وقد تأسست الحركة رسمياً في نهاية شتاء 1947 بعد أن تمردت مجموعة من أعضاء حزب «المفدال» على قيادة الحزب بعد أن وافقت على الانضمام إلى حكومة «إسحاق رابين» الائتلافية. إلا أن تأسيس الحركة الفعلي كان بعد حرب حزيران 1967.
ومن وجهة نظر حركة «غوش إيمونيم»، يُعَدُّ احتفاظ «الدولة العبرية» بالأراضي المحتلة بعد عام 1967 أمراً ربانياً لا يمكن للاعتبارات الإنسانية أو العملية أن تلغيه. ورغم أن هذه المنظمة تتحدث عن بعث الحياة اليهودية في كل المجالات، فإنها ركّزت جل نشاطها على عمليات «الاستيطان» وتصعيده حتى لا يكون بالإمكان عودة الضفة الغربية للفلسطينيين، أي أنها تحاول أن تترجم سياسة الوضع القائم الصهيونية إلى وجود مادي صلب من خلال إقامة «المستوطنات».
وبعد أن وصل حزب «الليكود» إلى الحكم عام 1977 قدَّمت الجماعة مشروعاً الى الحكومة لإنشاء 12 «مستوطنة» في الضفة الغربية كانت حكومة «العمال» السابقة قد رفضت إنشاءها، فوافقت الحكومة الجديدة وتم إنشاء «المستوطنات» خلال عام ونصف العام. ثم قدَّمت الجماعة مشروعاً آخر عام 1978 عبارة عن خطة شاملة «للاستيطان» من خلال إقامة شبكة من «المستوطنات» الحضرية والريفية لتأكيد السيادة الصهيونية على المنطقة. ورغم أن الحكومة لم توافق على الخطة رسمياً، إلا أنه تم تدبير الاعتمادات اللازمة لتنفيذها تدريجياً. ويشرف الجناح «الاستيطاني» للجماعة «أمانا» على تنفيذ هذه المخططات وتتبعها في الوقت الحاضر عشرات «المستوطنات»، ومعظمها من النوع الذي يُسمَّى «مستوطنات الجماعة»، وهي «مستوطنات المنامة» التي يعيش فيها «مستوطنون» يعملون في المدن الكبرى مثل «تل أبيب» والقدس ويقضون ليلهم في «المستوطنات».
حركة «أمناء»
تعد حركة (أمناء) وليدة اتساع مجال حركة (غوش ايمونيم) وخروجها من حيز منظمة «استيطانية» محدودة النشاط تركز جهودها على مظاهر الاجتماع والتظاهرات السياسية المحدودة وعناصر التأثير الهامشي في المجتمع إلى حركة واسعة المقومات والقدرات تحتوي في إطار جهودها مخططات عملية لإنشاء وتعزيز «المستوطنات» اليهودية على الأراضي المحتلة وفيما يعرف بـ(أرض إسرائيل الكاملة).
نشأت حركة «أمناء» عام 1976 وفي ربيع 1980 حينما كانت حركة «غوش إيمونيم» تمر بأزمة أدت إلى تفرق شمل الشخصيات القيادية فيها، وإزاء تسارع معدلات «الاستيطان» ووتائر تملك الأراضي في المناطق الواقعة تحت السيادة الصهيونية أعلنت «أمناء» أنها هي «غوش إيمونيم» بكل ما تمثله وباستطاعتها النطق باسمها.
واستمرت حركة «أمناء» في العمل من أجل تدعيم حركة «غوش إيمونيم» «الاستيطانية»، وتأثرت سلبياً معدلات حركتها بالانسحاب الصهيوني من مستوطنة «ياميت»، إثر معاهدة السلام مع مصر في نيسان 1982 لكن حركة «أمناء» استمرت تدار بواسطة عشرة من الأعضاء المتفرغين الموظفين، ولديها ممثلون منتشرون في أوروبا والولايات المتحدة وميزانيتها تقارب المليوني دولار سنوياً.
حركة «أرض إسرائيل الكاملة»
بعد مرور أقل من شهرين على حرب الأيام الستة في آب 1967، وما آلت إليه من نتائج مذهلة على كل الأصعدة التقى نفر من الكتّاب الصهاينة والمثقفين والفنانين والعسكريين ورؤساء الكيبوتسات وعدد من القادة والشخصيات البارزة الذين لعبوا دوراً ملموساً في الصراع من أجل تكوين ما يسمى بـ»الدولة» وأعلنوا تأسيس حركة «أرض إسرائيل الكاملة» التي جعلت لها هدفاً أساسياً يتمثل في الضغط من أجل الاحتفاظ بكامل الأراضي المحتلة التي سقطت في قبضة الاحتلال إثر حرب الأيام الستة، وبالنسبة لهذه الحركة فإن القضية لم تكن تمثل مجرد سيطرة على أراض جديدة تم احتلالها وإنما اعتبرتها قضية أساسية تتصل بالمصير القومي لليهود، وبالرغم من أن برنامج عملها كان يخلو من العمق الديني ومظاهره إلا أن مؤسسيها نظروا إلى «الاستيطان» العاجل في الأراضي المحتلة والسعي إلى ضمها ضماً مستديماً «للدولة العبرية»، على أنها مسألة لها أولوية مطلقة، متذرعين بأن الحكومة الصهيونية لا تملك حق التخلي عن أية أرض كانت تنتمي إلى الشعب اليهودي على مر التاريخ.
حركة «كاخ»
«كاخ» كلمة عبرية معناها هكذا، وهو اسم لحركة صهيونية ذات نزعة عنصرية فاشية صاغت شعارها على النحو التالي، يد تمسك بالتوراة وأخرى بالسيف وكتب تحتها كلمة «كاخ» العبرية، بمعنى أن السبيل الوحيد لتحقيق الآمال الصهيونية هو التوراة والسيف أي العنف المسلح والديباجات التوراتية، وهذه أصداء لبعض أقوال «غابوتنسكي».
وتعد حركة»كاخ»، واحدة من أهم المنظمات التي عرفها تاريخ «الدولة العبرية»، ظهرت أوائل السبعينات على يد الحاخام الإرهابي «مائير كاهانا» وتبنت منظومة من الأفكار النازية التي تتوعد الفلسطينيين، وتدعو إلى طردهم وتمارس في مواجهتهم أقسى أشكال القهر والتمييز العنصري والإرهاب.
وتضم حركة «كاخ» مجموعة من الإرهابيين ذوي التاريخ الحافل بالإجرام من بينهم «إيلي هزئيف»، وهو صهيوني غير يهودي كان يعمل جندياً في فيتنام ثم تهود واستقر في فلسطين المحتلة. وكان قد ارتكب جريمة قتل وقُدِّم إلى المحاكمة بتهمة قتل جاره، وحيازة سلاح بشكل غير قانوني، وكان يُسمَّى الذئب أو القاتل. وقد قُتل أثناء إحدى العمليات الفدائية. ومن بين مؤسسي رابطة الدفاع، «يوئيل ليرنر» الذي قبض عليه عام 1975 بتهمة محاولة اغتيال الوزير الأميركي هنري كيسنغر، ثم قبض عليه مرة أخرى عام 1982 بتهمة تنظيم فريق من الفتيان والفتيات للاعتداء على المسجد الأقصى. وهناك أيضاً «يوسي ديان» الذي اعتقل عام 1980 بتهمة محاولة اغتيال سائق تاكسي فلسطيني. وكان قد انسحب من حركة «كاخ» بسبب صراعه مع «كاهانا» على السلطة. وتضم الجماعة أيضاً «يهودا ريختر» الذي حققت معه الشرطة للاشتباه بضلوعه في مقتل أحد أعضاء حركة السلام الآن. ومع هذا يظل «مائير كاهانا» أهم شخصيات الحركة، التي كانت تدور حول شخصيته، وهو منظّرها الأساسي.
وفي بداية نشاط حركة «كاخ» ورئيسها «كاهانا» نظر الكثيرون باستهانة ولا مبالاة إلى هذه الظاهرة، خاصة مع تكرار فشل «كاهانا» في الحصول على مقعد في انتخابات الكنيست لأكثر من دورة، بيد أن التغيرات العميقة في المناخ السياسي والفكري الذي واكب سيطرة تكتل «حزب الليكود» على مقاليد السلطة عام 1977 ومع نمو الأصولية الدينية اليهودية واليمين الصهيوني الراديكالي وارتفاع حدة العداء الموجه للفلسطينيين ومستوياته، بدأت حركة «كاخ» تشق طريقها بقوة نحو المركز، وهو ما يبرر حصول «كاهانا» في انتخابات عام 1984 على نحو 26 ألف صوت وفوزه بمقعد في الكنيست. وقد تصاعدت شعبيته حتى أن استطلاعات الرأي تنبأت بفوز حزبه بخمسة مقاعد برلمانية. ولكن المؤسسة الحاكمة أدركت خطورته على صورة الدولة الصهيونية فقامت بتعديل قانون الانتخابات بحيث تم حظر الأحزاب الداعية إلى التمييز العنصري وإثارة مشاعر الكراهية والعداء ضد الفلسطينيين.
وقد كان عدد أعضاء حركة «كاخ» المسجلين، نحو مئات عدة، لكن دائرة أنصاره كانت أكثر بكثير وتقدّر بالآلاف، وكانوا يتمركزون أساساً في «مستوطنة كريات أربع» ومدينة الخليل المحتلة وله فروع علنية في القدس والمدن الكبرى وفي بعض ما يسمى بـ»مدن التطوير» في فلسطين المحتلة.
وتستمد حركة «كاخ» أنصارها في الغالب من الشرائح الاجتماعية الفقيرة المتذمرة الناقمة على المؤسسة الحاكمة والتي تحمل كراهية وعداء شديدين للفلسطينيين، ويبرز في نواته الصلبة وقيادته العناصر المهاجرة من الولايات المتحدة مدفوعة بتعصبها الديني وعدائها للأغيار وحلمها بالخلاص «المشيحاني». وله فروع نشطة للغاية في الولايات المتحدة تمده بالدعم المالي وبحاجته من الأسلحة وترفده بأعضاء جدد بعد تدريبهم على السلاح.
وتتألف قيادة حركة «كاخ» العليا من ثلاثة أعضاء هم «باروخ مرزي» رئيس الحركة، و»نوعام قدرمان» الناطق بلسانها، و»تيران بولاك» رئيس لجنة الأمن على الطرق، وقد كان «باروخ مرزيل» أمين سر حركة «كاخ» في الكنيست والناطق بلسان الحركة، وأبرز مساعدي «مائير كاهانا»، وقد علق على مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل مشيداً بسفاحها «باروخ غولدشتاين» قائلاً، «إنه ليس مجنوناً، إنه رجل عظيم، إنه رجل صديق».
كما علّق «شموئيل بن بشاي» على الواقعة نفسها بقوله، «لقد كان غولد شتاين رجلاً حقيقياً وقام بعمل بطولي، لقد قال دائماً إنه يجب أخذ الأمور باليد وقتل الفلسطينيين».
وقد رصدت العشرات من عمليات حركة «كاخ» الإرهابية العنصرية، وكان أبرزها،
محاولة الاستيلاء على المسجد الأقصى ثم إطلاق النار على المصلين في باحته، خطة تفجير قبة الصخرة، تفجير حافلات ركاب المواطنين الفلسطينيين، نشر متفجرات مفخخة في منطقة القدس، إحراق سيارات الفلسطينيين في حي أبي طور، واغتيال عدد من نشطاء حركة «السلام الآن» منهم إميل غرينسفاريح.
وكما يذكر «أمنون كابليوك» في كتابه «الخليل مجزرة معلنة» فإن المناقشة حول شرعية قتل الفلسطينيين والانتقام منهم كانت دائرة على قدم وساق في المجلس البلدي لـ»مستوطنة كريات أربع» الذي كان «غولد شتاين» عضواً فيه قبل أن يستقيل استعداداً لمجزرته، وكان قد استند في فعلته تلك إلى فتوى من الحاخامات الأصوليين في «المستوطنات» اليهودية تربط بين الفلسطينيين والعماليق الذين جسدوا على مسار التاريخ اليهودي منذ هزيمتهم على يد الملك داوود العدو الأكثر شراسة، كما يدعون، والذي ببساطة ينبغي العمل على إبادته، و»غولد شتاين» هنا من وجهة نظر أصولية يهودية لم يقتل أناساً أبرياء يصلون، وإنما قتل عماليق مثل هامان وهتلر وغيرهما، وهو بهذا العمل قد قدّس الرب، كما يدعون، ورفع ذكره وشأنه، فقتل شخص من العماليق يكون شرعياً حتى لو كان في زمان أو مكان مقدس.
أما بيان ممثل حركة «كاخ» في نيويورك بشأن المجزرة فقد قال، «إن غولد شتاين كان رجلاً نقياً صالحاً درس التوراة وشريعتها وسينقذ عمله الآلاف من الفلسطينيين واليهود بتبديده الفكرة الخاطئة التي تقول، إن العيش سوية سيجلب السلام».
ولا يمكن تفسير تَطرُّف «كاهانا» إلا بالعودة إلى النسق الصهيوني. فهو نسق يحتوي على بذور معظم هذه الأفكار والممارسات. وإذا كان «هرتزل» قد تحدَّث عن طرد السكان الأصليين بشكل ليبرالي عام، فذلك لأنه لم يكن في أوروبا مضطراً إلى الدخول في التفاصيل المحددة في تلك المرحلة. لقد كان مشغولاً بالبحث عن إحدى القوى العظمى لتقف وراءه وتشد أزره وتعضده وتقبله عميلاً لها، ولذا كانت الصياغات العامة بالنسبة إلى السكان الأصليين مناسبة تماماً في تلك المرحلة. وإذا كانت الدولة الصهيونية قد احتفظت بعد عام 1948 بالديباجة الاشتراكية، فذلك لأنها كانت قد (نظفت) الأرض من معظم الفلسطينيين، وكان بوسعها أن تكبّل الأقلية المتبقية بمجموعة من القوانين وأن تتحدث عن الاشتراكية وعن الإخاء الإنساني.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

على القرّاء كتابة تعليقاتهم بطريقة لائقة لا تتضمّن قدحًا وذمًّا ولا تحرّض على العنف الاجتماعي أو السياسي أو المذهبي، أو تمسّ بالطفل أو العائلة.
إن التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع كما و لا نتحمل أي أعباء معنويّة أو ماديّة اطلاقًا من جرّاء التعليق المنشور .