
أصدرت «كتائب عبدالله عزام» التابعة لتنظيم القاعدة تسجيلاً صوتياً حمل عنوان «رسالة إلى شيعة لبنان». تضمّنت الرسالة تهديداً بدا بمثابة «إلقاء الحُجّة الشرعية التي تسبق الانتقال إلى المرحلة العملانية». أمير التنظيم يُطلق تهديداته من مكانٍ آمن في مخيم عين الحلوة، فيما الجهات الأمنية تعتبر البيان «تطوّراً في غاية الخطورة».
لا يُشبه التسجيل الأخير لـ«كتائب عبدالله عزّام» ما سبقه. فقد حمل هذه المرة «تهديداً حقيقياً» لـ«شيعة لبنان». وبدا البيان إنذاراً أخيراً يسبق الهجوم. وقد استوقف ذلك معظم المتابعين لنشاط الحركات الإسلامية الأصولية، وتحديداً الأمنيين منهم. ومن جهة أخرى، ظهر البيان، في بعض النقاط التي أثارها، متطابقاً مع خطاب قوى الرابع عشر من آذار، لا سيما في مسألة تطرّقه لقطاع السياحة في لبنان المهدد من «حزب الله». فبدا التنظيم الأصولي حريصاً على القطاع السياحي، متغاضياً عن مبادئه التي تقف ضُد ما يُرتكب فيه من «مُحرّمات وموبقات». والمفارقة أن تنظيم القاعدة في لبنان يدعو إلى تحرير السياحة وتشجيعها، فيما يحظر الإخوان المسلمون في مصر على بعض الفنانات دخول بلادهم. وفي هذه النقطة، بدا الإخوان تكفيريين فيما القاعديون أكثر انفتاحاً. ولوهلة، يكاد المستمع إلى البيان يظنّ أن التنظيم التكفيري سيُعيد إطلاق حملة «أحب الحياة» التي سوّقت لها وأطلقتها قوى 14 آذار عامي 2005 و2006.
«رسالة إلى شيعة لبنان». هكذا عُنون بيان التهديد الذي جاء في شريطٍ تسجيلي مدّته 15 دقيقة تلاه أمير التنظيم في بلاد الشام، المعيّن حديثاً، الشيخ السعودي ماجد الماجد (مواليد 1973)، المعروف باسم «أبو عبدالله الجزراوي»، ليُنشر على موقع «مركز الفجر للإعلام» المعتمد من قبل تنظيم القاعدة. والماجد الذي تردد أنه غادر مخيم عين الحلوة قبل أشهر للالتحاق بركب «الثورة السورية»، كشفت معلومات أمنية وأهلية فلسطينية أنه لا يزال موجوداً في المخيّم برفقة المطلوب الأبرز توفيق طه الملقّب بـ«أبو محمد». فيما ذهبت معلومات أخرى إلى القول إنه غادر ولم يعد، علماً بأن التقارير الأمنية تشير إلى أن الماجد قليل الظهور في المخيم.
ومع إطلاق الماجد تهديداته ضد الطائفة الشيعية وتحريضه على الفتنة، يُشغل الأمنيون بالقراءة بين السطور ليخلصوا إلى أن «الوقت المنتظر قبل انتقال عناصر التنظيم إلى مرحلة التنفيذ لم يعد طويلاً»، فضلاً عن أن لهجة البيان تفيد بأنه ترجمة عملية لإعادة تموضع تنظيم القاعدة بعد سلسلة الانتكاسات التي أُصيب بها، والتي كان أشدّها تأثيراً شح مصادر التمويل. والتموضع هنا يدخل ضمن سياق تبديل الاستراتيجية التي تقوم على نقل العمليات إلى البلدان المحيطة بـ«بيت المقدس تمهيداً لتحريره». أضف إلى ذلك، فإنها تقوم على قاعدة أنّ «قتال المرتد القريب أولى من قتال الكافر البعيد»، علماً بأن أبرز «المرتدّين» هنا هم «الشيعة الروافض الذين يعملون حرس حدود لليهود مانعين المجاهدين من أهل السنّة من القتال لتحرير بيت المقدس».
ولعلّ أخطر ما يُستشفّ من البيان، اعتماده مصطلحات قرآنية تحمل دلالات تكشف ما خلفها من نيّات مبيّتة. فقد بُدئ البيان بالآيتين القرآنيتين: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)، (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ). ثم أُتبعتا بـ«إلى شيعة لبنان، نخاطبكم اليوم باللسان... لتقرِّروا أنتم لغةَ الخطاب المستقبليةِ بينكم وبين أهل السنّة». وتلت ذلك نصيحة: «ندلُّكم على سبيل السلامة واتِّقاء الغضبة على الظالمين، فكُفُّوا أذاكم عن أهل سورية، وتبرَّؤوا ممن يشترك منكم مع النظام في قتالهم، يكن هذا واقياً لكم من مصير النظام وحلفائه، ومنقذاً لكم من جزاء المعين، فله وللمعان جزاء واحد». بمعنى آخر، أراد القول «انأوا بأنفسكم، نخاطبكم اليوم لأن لا كلام بعده، وغداً فعل». كذلك حمّل البيان شيعة لبنان تبعات مواقف قياداتهم السياسية وفق قاعدة: «يحكم على الطائفة كلِّها بفعل بعضها إذا سكتت عنه البقية».
لم ينته البيان عند هذا الحد، فقد تطرّق حتى إلى الخطاب الإعلامي لقناتي «المنار» و«NBN»، واصفاً إياه بأنه «يؤجِّج ناراً أشعل لهيبَها قادتُكم، ولكنَّها لن تُحرِق كما ستُحرق طائفتَكم».
النيّات التفجيرية لـ«جماعة كتائب عبدالله عزام» برزت واضحة في المقطع الأخير من البيان. فقد ساوم هؤلاء المتلقين من الشيعة على حياتهم قائلاً: «همُّكم الأمان والعيش والكرامة والعدل، وعرش قادتكم يهتزُّ من تحتهم بانهيار ملك الأسد، فإذا رضيتم بربط أمنكم وعيشكم بملكه البائد، وأبيتم إلا أن يَبقيا معاً أو يزولا تبعاً، فلكم ما أردتُّم، وعاقبتُه عليكم، ولا تلوموا حينها غيرَ أنفسكم».
الخلاصة التي يخرج بها أمنيون متابعون لتنظيم القاعدة ومتفرعاته أن البيان الأخير «يؤسّس لمرحلة جديدة، وخطيرة جداً».
0 التعليقات:
إرسال تعليق
على القرّاء كتابة تعليقاتهم بطريقة لائقة لا تتضمّن قدحًا وذمًّا ولا تحرّض على العنف الاجتماعي أو السياسي أو المذهبي، أو تمسّ بالطفل أو العائلة.
إن التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع كما و لا نتحمل أي أعباء معنويّة أو ماديّة اطلاقًا من جرّاء التعليق المنشور .