"هؤلاء
الاسرى الموجودين عندنا لن يعودوا الى الديار الا بوسيلة واحدة: التفاوض
غير المباشر والتبادل والسلام ولا احد يستطيع في كل هذا الكون ان يردهم الى
ديارهم الا بتفاوض غير مباشر... ونحن ثابتون وصامدون ومستعدون لكل
الاحتمالات"، بهذه الكلمات اعلن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله
يوم الاربعاء في 12-7-2006 عن الطريقة التي يمكن ان يطلق سراح الجنديين
الاسرائيليين، ألا وهو التفاوض غير المباشر لاطلاق الاسرى والمعتقلين
اللبنانيين لدى العدو الاسرائيلي.
وهذا ما حصل فعلا، فبعد ثلاثة وثلاثين
يوما من بدء العدوان العسكري الاسرائيلي والدولي السياسي على لبنان حيث
كانت اسرائيل الاداة العسكرية التنفيذية للعدوان بينما كانت هناك دولا
وهيئات عربية وغربية تعمل بكل الادوات المتاحة ليس لانزال الهزيمة او توجيه
ضربة للمقاومة بل للقضاء على المقاومة ونهجها والقضاء على من يقف بوجه
المشروع الاستكباري الغربي الصهيوني، وترافق ذلك مع اعتداءات لم توفر احدا
من اللبنانيين من الجنوب الى الشمال مرورا بالضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت
وجبل لبنان وصولا الى البقاع، حيث لم تسلم مرافق الحياة المختلفة للمواطن
اللبناني في سبيل للضغط على المقاومة من خلال انزال الاضرار باهلها وناسها،
ناهيك عن استهداف المدنيين بصورة عشوائية ما ادى الى ارتفاع عدد من كبير
من اللبنانيين شهداء.

فبعد
كل ذلك تبين للعالم وهن وفشل القيادة السياسية والامنية والعسكرية
الاسرائيلية من تحقيق اي هدف وضعته لحربها على المقاومة، حتى انتهت الحرب
وخرج العدو يلملم اذيال الخيبة ويبحث عن طرف ثالث يقود عملية التفاوض غير
المباشرة التي اعلن عنها السيد نصر الله يوم بدء العدوان في 12 تموز 2006،
والتي تولاها مفاوض يمثل الدولة الالمانية حتى اثمرت الى الافراج عن الاسرى
اللبنانيين في سجون العدو وعلى رأسهم سمير القنطار، بعد رفض العدو لسنوات
طويلة عن اطلاق سراحه بما يدلل على عظمة النتائج التي افرزها الانتصار
الكبير في حرب تموز 2006.
ولكن بعد ست سنوات على الانتصار بما
حمله من فشل عسكري وامني وسياسي للعدو، كيف يمكن تقييم تداعياته سواء على
الداخل الاسرائيلي او على ثبات المقاومة ونهجهها امام المشروع
الصهيو-اميركي ومدى تأثر هذا المشروع بانتصار المقاومة؟

للاجابة
عن هذه التساؤلات توجهنا بالسؤال الى الخبير في الشؤون الاسرائيلية حلمي
موسى الذي قال إن "الفكرة الاساسية ان اسرائيل خلال حرب تموز 2006 وفي
اعقابها شعرت بشكل مباشر بأنها امام فشل واخفاق كبير ربما ادى الى وضع
علامة استفهام كبيرة امام مستقبلها"، واضاف انه "اذا كانت المقاومة قد بدأت
بهذا الشكل بحيث اصبحت تستطيع ان تمنع اسرائيل من تحقيق نصر حاسم او اي
نصر ففي ذلك بداية نهاية مشروع يقوم على اساس الجيش الذي لا يقهر وقادر
طوال الوقت على تحقيق انتصارات".
واشار موسى في حديث لموقع قناة
"المنار" الى ان "هذه المسألة أظهرت للاسرائيلي ان زمنا آخر ينبلج في
العالم العربي ما ادى الى شعور الاسرائيلي بإخفاق كبير"، وتابع انه "تمَّ
في كيان العدو تحميل المسؤولية للقادة السياسيين (وفي طليعتهم رئيس الوزراء
ايهود اولمرت ووزير الحرب ايهود باراك) حيث جرت الاطاحة بهم بمناورات
سياسية وقضائية واضحة ومكشوفة"، ولفت الى ان "القيادة السياسية اخطأت كما
اخطأت القيادة العسكرية حيث اعتقدوا انهم يستطيعون اخذ المعركة الى مكان
محدد لتحقيق اهداف معينة ومنها استعادة الجنود وحسم المعركة على الارض".

وحول
تداعيات الحرب الاسرائيلية على الداخل الاسرائيلي، قال موسى "اعتقد ان
التداعيات على المجتمع الاسرائيلي كانت هائلة بكل معنى الكلمة"، واشار الى
ان "جوهر القضية ان اسرائيل كانت تعيش على قوة جيشها وقوتها العسكرية وعلى
الحرب"، ولفت الى ان "حرب تموز 2006 اوجدت شكوكا حقيقية داخل المجتمع
الاسرائيلي حيث ان ثلث الاسرائيليين اصبحوا يشعروا لاول مرة انهم اصبحوا
جزءا من جبهة تستهدفهم وهذا الاستهداف اثار لديهم اسئلة كثيرة حول جدوى
الحرب ومدى القدرة على حسمها والانتصار فيها"، ورأى ان "الاسرائيلي بات يحس
ان لديه قيادة لا تقييم الامور بشكل جيد وان لديه جيش لا يحسن ادارة معركة
ولا يحسن ادارة معركة ولا يحميه من التعرض لمخاطر جديدة".
وحول تداعيات حرب تموز على مستقبل
الكيان الغاصب، اكد موسى ان "الاسرائيلي بات يعاني على درجة معينة من
الاخطار الوجودية على كيانه"، واشار الى انه "حتى او كان هناك تفككا معينا
لدى بعض العرب على مدى منظور إلا انه عندما تتمكن الشعوب العربية من ان
تتولى امرها بنفسها ويكون لها دور حاسم في القرارات السياسية فاسرائيل
تعتبر ان المستقبل بالنسبة لها ليس مزهرا كما كان"، وشدد على ان "الحرب
اصبحت في الزمن الحاضر كما كانت عليه في حرب تموز مكلفة لاسرائيل"، ولفت
الى ان "قدرة اسرائيل اليوم بات محدودة للخوض في الحروب وهذه المحدودية
ليست ناتجة عن قلة نيران بل عن ازدياد مخاطر خاصة ان قدرة اسرائيل على
الحسم ليست كما كانت في الماضي وحتى على صعيد غزة الاسرائيلي بات يحس
حسابات لها "، ورأى ان "اسرائيل باتت اكثر ايمانا ان قدرتها محدودة وان ما
كانت تتصوره في السابق بانها قادرة على تحقيق ما تريد لم يعد موجودا"، وختم
ان "اسرائيل ليس امامها الا ان تعلن انها قادرة على تحقيق تخريب اكثر من
انها قادرة على تحقيق انجاز وهذا بحد ذاته يحد من قدرتها على العمل".
قد
ينظر البعض ان هزيمة "اسرائيل" المذلّة في تموز 2006 هي مجرد خسارة لجولة
في حرب طويلة، إلا ان من يراجع التاريخ الدامي لهذا العدو الذي اعتمد على
القوة والغطرسة سرعان ما يتأكد ان هناك شيء تاريخي بدأت معالمه تظهر، لان
من كان يعتمد على القوة ما عاد يملكها والكيان الذي بني على القوة كيف
سيكون مستقبله وهو بات واهن ضعيف ينتظر القرارات الدولية والمبادرات
الاممية لتنقذه من حرب امتدت اياما معدودة، فكيف سيكون حاله اذا ما حان وقت
المواجهة المفتوحة المنتظرة؟ وحول ذلك نلتمس جوابا في كلام للسيد حسن نصر
الله عندما قال "انتهى الزمن الذي نخرج فيه من بيوتنا ولا يخروجون فيه من
بيوتهم.. انتهى الزمن الذي نهجر فيه ولا يهجرون.. انتهى الزمن الذي تدمر
فيه بيوتنا وتبقى بيوتهم بل اقول لكم: جاء الزمن الذي سنبقى فيه وهم الى
زوال..".
0 التعليقات:
إرسال تعليق
على القرّاء كتابة تعليقاتهم بطريقة لائقة لا تتضمّن قدحًا وذمًّا ولا تحرّض على العنف الاجتماعي أو السياسي أو المذهبي، أو تمسّ بالطفل أو العائلة.
إن التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع كما و لا نتحمل أي أعباء معنويّة أو ماديّة اطلاقًا من جرّاء التعليق المنشور .