فاطمة شعيب
أ
راد "علي شعيب" في اليوم الثامن للعدوان ان يبدل سفرة الفطور التي باتت روتيناً ..
أساسه الصعتر والزيت والزيتون والجبنة .. فقصد مع احد ابناء المنزل الذي يستضيفه بعد مغادرة أصحابه الى خارج المنطقة الحدودية اثر اشتداد حدة القصف والغارات الجوية على الخيام.. قصد أحد المحال..
وهنا الرواية كاملة:
يستعيد "علي" لحظات خروجه من المنزل مع صديقه الذي كان يحمل عكازاً يتكأ عليها بعد اصابة قدمه بكسر اعاق حركته، فحالة الهدوء النسبي التي سيطرت لفترة بسيطة كانت فرصة للخروج بنزهة بعد ساعات من الإختباء الطويل قضياها طيلة الليل، فتوجها الى احد محلات المواد الغذائية الذي بقيت أبوابها وحيدة في البلدة مفتوحة، لمن بقي فيها خصوصا وأن هدير الطائرات كان غائبا منذ فترة نصف ساعة عن الاجواء..
في تلك اللحظة وفيما النزهة في أوجها على الطريق الرئيسي في بلدة الخيام وإذا بهديرٍ صاخب لطائرة اسرائلية حلقت على علو منخفض جدا سيطرت على المكان تمهيدا لتنفيذ غارة جوية ..
يقول علي : " في تلك اللحظة بدأت أهرول بأقصى سرعة وكانت المفاجأة عندما التفت خلفي بعد أن أنساني صوت الطائرة صديقي المعاق فرايته يرمي عكازه ويركض مسرعا ناسياً هو أيضاً ان قدمه مكسورة، لكن يبدو ان الرعب انساه ذلك .. فلم اعد استطع الركض من الضحك امام هذا المشهد وتمنيت لو ان كاميرتي على كتفي لالتقاط هذه الواقعة الفريدة .. وما هي الا ثوانٍ حتى سقط صاروخ الطائرة المغيرة على الطريق خلفنا، ولم نستفق إلا ونحن بداخل إحدى المحلات التي اقتلعت ابوابها من شدة الانفجار وقد تبدلت الواننا الى الأبيض بسبب الغبار الكثيف الناتج عن الغارة عندها قلت لصديقي إن الحق معك بأن تركض على قدمك المكسورة والا لكنا في عداد من ارتفع الى جوار الله ..
هذه الحادثة لم تمنعنا من حصولنا على البيض و بعض الزبدة وعلب من المرتديلا وما أن همينا بالعودة حتى بدأ صديقي يشعر فعلا بالألم ولم يعد قادراً على المسير فقلت له هذه حال الدنيا قم يا صديقي لأوصلك قبل ان نُرمى في محلٍ اخر، عندها سنكون بحاجة لمن يحملني ويحملك..
وبعد تناول الفطور من دون شهية نتيجة لحالة التوتر التي رافقتهما في تلك الاثناء وكانت حينها الساعة لا تتعدى السابعة صباحاً رن هاتف "علي" حيث أبلغه شخص أن قذيفة إسرائيلية استهدفت منزلاً في بلدة دبيّن أدى الى وقوع مجزرة .. أسرع علي إلى المكان المستهدف ليفاجأ بهول المشهد .. فالدماء كانت تلطّخ كل مكان، وبعد الإستفسار، علم علي أن صاحب المنزل وهو من آل "خالد" قد أستشهد ومعه إبنه وإبنته فيما نقلت إبنتان له إلى مستشفى مرجعيون في حالة خطرة، فتوجه علي على الفور إلى المستشفى المذكور ليجد طفلتين ممددتين على السرير وقد لفتا من رأسيهما حتى أخمص قدميهما نتيجة الإصابة البالغة .. وفيما كانت الطفلة الصغيرة غائبة عن الوعي حاول التحدث إلى الطفلة الأكبر سناً "هدى" فكانت الآه .. ترافق كل كلمة قالتها حيث يقول: " فاجأتني بأولى الكلمات ما ذنبنا نحن الأطفال لماذا علينا ان نصاب ونقتل ماذا فعلنا لهم؟ هل قصفونا لأننا لم نترك منزلنا ؟ كنا ننظر إلى التلفاز ونرى الإسرائيليين كيف قتلوا الأطفال في عيترون ومروحين واليوم جاء دورنا .. كنت نائمة في المنزل وأستفقتُ على صوت إنفجار كبير.. وإذا بي بين الخراب والنار تندلع في كل المنزل .. حاولت الهروب إلى الخارج حبواً على الأنقاض فشاهدت أختي مرمية على الدرج وهي ملطخة بالدماء فيما كان أخي مقتولاً امام الباب كيف لي أن اتحمل هذا المشهد !!
لم قتلوهم .. الله يمحي إسرائيل"..
بهذه
الكلمات التي أوجعت قلب "علي" بدأ تقريره الذي أكمله بمشاهد لسلسلة
الإعتداءت التي إستهدفت المنطقة لكن مشكلة إعترضت "علي" وهي وسيلة بث
التقرير، فجهاز إرسال إحدى المحطات الزميلة الذي اعتاد استخدامه كان غائباً
عن المنطقة في حينها، الأمر الذي إضطره لمغامرة جديدة بهدف إيصال الفيلم
إلى القناة .. فما كان من "علي" إلا ان توجه نحو جسر الخردلي سيراً على
الأقدام لخطورة المسير بالسيارة في تلك المنطقة بسبب التحليق المكثف
لطائرات التجسس ..
وبعد أكثر من ساعة وصل علي إلى النهر بعد أن تواصل مع مصور القناة في مدينة النبطية الزميل "علي فحص" واتفق معه أن يلاقيه عند الضفة الثانية من النهر حيث كانت أوصال المنطقة مقطعة بفعل تدمير جسر الخردلي .. وهكذا كان، حيث غاص علي في المياه قاطعاً النهر وسلّم الشريط للمصور "فحص" ، وكم كانت المفاجئة كبيرة عندما كان علي يقطع النهر بهدف العودة حين رأى عائلة مؤلفة من أب وأم وثلاثة أولاد وهم يتبعونه بقطع النهر سباحةً ومعهم بعض الأغراض ، الأمر الذي كان مادة مهمة للكاميرا التي كانت على كتفه وسجلت هذه الواقعة ليكتمل المشهد والتقرير الثاني لعلي عندما إستصرح العائلة وعلم أنها قادمة من بيروت للعودة إلى الخيام يستعيد علي تلك اللحظة فيقول : " بعد ما شعرت أنني وحيد في هذه المنطقة وفيما كانت قوافل النازحين تتجه نحو بيروت فاجأتني هذه العائلة بالعبور عكس السير حينما قالت لي الأم " راجعين نموت ببيتنا أفضل ما نموت ونبقى بالشوارع " كانت هذه الكلمات كافية لدبّ الروح في التقرير وفي المعنويات أيضاً " يتابع علي .. "كنت آتياً لوحدي من مرجعيون والآن سأعود ومعي كل معاني الصمود والتحدي وتيقنت حينها أن مثل هذه الإرادة لا تهزم .. الأمر الذي حتّم عليَّ قطع مياه النهر ثانية لتسليم "علي فحص" الذي كان لا زال ينتظرني على الضفة الثانية من النهر الشريط الثاني، في ظل التحليق المكثف للطائرات الحربية الإسرائيلية .. عدت والعائلة إلى الخيام كما أتيت وقلبي مع زميلي العائد إلى النبطية ومع وصولنا سوية سالمين بات الإطمئنان سيد الموقف ..
أ

أساسه الصعتر والزيت والزيتون والجبنة .. فقصد مع احد ابناء المنزل الذي يستضيفه بعد مغادرة أصحابه الى خارج المنطقة الحدودية اثر اشتداد حدة القصف والغارات الجوية على الخيام.. قصد أحد المحال..
وهنا الرواية كاملة:
يستعيد "علي" لحظات خروجه من المنزل مع صديقه الذي كان يحمل عكازاً يتكأ عليها بعد اصابة قدمه بكسر اعاق حركته، فحالة الهدوء النسبي التي سيطرت لفترة بسيطة كانت فرصة للخروج بنزهة بعد ساعات من الإختباء الطويل قضياها طيلة الليل، فتوجها الى احد محلات المواد الغذائية الذي بقيت أبوابها وحيدة في البلدة مفتوحة، لمن بقي فيها خصوصا وأن هدير الطائرات كان غائبا منذ فترة نصف ساعة عن الاجواء..
في تلك اللحظة وفيما النزهة في أوجها على الطريق الرئيسي في بلدة الخيام وإذا بهديرٍ صاخب لطائرة اسرائلية حلقت على علو منخفض جدا سيطرت على المكان تمهيدا لتنفيذ غارة جوية ..
يقول علي : " في تلك اللحظة بدأت أهرول بأقصى سرعة وكانت المفاجأة عندما التفت خلفي بعد أن أنساني صوت الطائرة صديقي المعاق فرايته يرمي عكازه ويركض مسرعا ناسياً هو أيضاً ان قدمه مكسورة، لكن يبدو ان الرعب انساه ذلك .. فلم اعد استطع الركض من الضحك امام هذا المشهد وتمنيت لو ان كاميرتي على كتفي لالتقاط هذه الواقعة الفريدة .. وما هي الا ثوانٍ حتى سقط صاروخ الطائرة المغيرة على الطريق خلفنا، ولم نستفق إلا ونحن بداخل إحدى المحلات التي اقتلعت ابوابها من شدة الانفجار وقد تبدلت الواننا الى الأبيض بسبب الغبار الكثيف الناتج عن الغارة عندها قلت لصديقي إن الحق معك بأن تركض على قدمك المكسورة والا لكنا في عداد من ارتفع الى جوار الله ..
هذه الحادثة لم تمنعنا من حصولنا على البيض و بعض الزبدة وعلب من المرتديلا وما أن همينا بالعودة حتى بدأ صديقي يشعر فعلا بالألم ولم يعد قادراً على المسير فقلت له هذه حال الدنيا قم يا صديقي لأوصلك قبل ان نُرمى في محلٍ اخر، عندها سنكون بحاجة لمن يحملني ويحملك..
وبعد تناول الفطور من دون شهية نتيجة لحالة التوتر التي رافقتهما في تلك الاثناء وكانت حينها الساعة لا تتعدى السابعة صباحاً رن هاتف "علي" حيث أبلغه شخص أن قذيفة إسرائيلية استهدفت منزلاً في بلدة دبيّن أدى الى وقوع مجزرة .. أسرع علي إلى المكان المستهدف ليفاجأ بهول المشهد .. فالدماء كانت تلطّخ كل مكان، وبعد الإستفسار، علم علي أن صاحب المنزل وهو من آل "خالد" قد أستشهد ومعه إبنه وإبنته فيما نقلت إبنتان له إلى مستشفى مرجعيون في حالة خطرة، فتوجه علي على الفور إلى المستشفى المذكور ليجد طفلتين ممددتين على السرير وقد لفتا من رأسيهما حتى أخمص قدميهما نتيجة الإصابة البالغة .. وفيما كانت الطفلة الصغيرة غائبة عن الوعي حاول التحدث إلى الطفلة الأكبر سناً "هدى" فكانت الآه .. ترافق كل كلمة قالتها حيث يقول: " فاجأتني بأولى الكلمات ما ذنبنا نحن الأطفال لماذا علينا ان نصاب ونقتل ماذا فعلنا لهم؟ هل قصفونا لأننا لم نترك منزلنا ؟ كنا ننظر إلى التلفاز ونرى الإسرائيليين كيف قتلوا الأطفال في عيترون ومروحين واليوم جاء دورنا .. كنت نائمة في المنزل وأستفقتُ على صوت إنفجار كبير.. وإذا بي بين الخراب والنار تندلع في كل المنزل .. حاولت الهروب إلى الخارج حبواً على الأنقاض فشاهدت أختي مرمية على الدرج وهي ملطخة بالدماء فيما كان أخي مقتولاً امام الباب كيف لي أن اتحمل هذا المشهد !!
لم قتلوهم .. الله يمحي إسرائيل"..

وبعد أكثر من ساعة وصل علي إلى النهر بعد أن تواصل مع مصور القناة في مدينة النبطية الزميل "علي فحص" واتفق معه أن يلاقيه عند الضفة الثانية من النهر حيث كانت أوصال المنطقة مقطعة بفعل تدمير جسر الخردلي .. وهكذا كان، حيث غاص علي في المياه قاطعاً النهر وسلّم الشريط للمصور "فحص" ، وكم كانت المفاجئة كبيرة عندما كان علي يقطع النهر بهدف العودة حين رأى عائلة مؤلفة من أب وأم وثلاثة أولاد وهم يتبعونه بقطع النهر سباحةً ومعهم بعض الأغراض ، الأمر الذي كان مادة مهمة للكاميرا التي كانت على كتفه وسجلت هذه الواقعة ليكتمل المشهد والتقرير الثاني لعلي عندما إستصرح العائلة وعلم أنها قادمة من بيروت للعودة إلى الخيام يستعيد علي تلك اللحظة فيقول : " بعد ما شعرت أنني وحيد في هذه المنطقة وفيما كانت قوافل النازحين تتجه نحو بيروت فاجأتني هذه العائلة بالعبور عكس السير حينما قالت لي الأم " راجعين نموت ببيتنا أفضل ما نموت ونبقى بالشوارع " كانت هذه الكلمات كافية لدبّ الروح في التقرير وفي المعنويات أيضاً " يتابع علي .. "كنت آتياً لوحدي من مرجعيون والآن سأعود ومعي كل معاني الصمود والتحدي وتيقنت حينها أن مثل هذه الإرادة لا تهزم .. الأمر الذي حتّم عليَّ قطع مياه النهر ثانية لتسليم "علي فحص" الذي كان لا زال ينتظرني على الضفة الثانية من النهر الشريط الثاني، في ظل التحليق المكثف للطائرات الحربية الإسرائيلية .. عدت والعائلة إلى الخيام كما أتيت وقلبي مع زميلي العائد إلى النبطية ومع وصولنا سوية سالمين بات الإطمئنان سيد الموقف ..
0 التعليقات:
إرسال تعليق
على القرّاء كتابة تعليقاتهم بطريقة لائقة لا تتضمّن قدحًا وذمًّا ولا تحرّض على العنف الاجتماعي أو السياسي أو المذهبي، أو تمسّ بالطفل أو العائلة.
إن التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع كما و لا نتحمل أي أعباء معنويّة أو ماديّة اطلاقًا من جرّاء التعليق المنشور .